غير مستعدين للسلام في العراق

TT

بينما يستمر الوضع في العراق في الخروج عن السيطرة، يواصل شعب قلق مراقبة ذلك الوضع. وعلى الرغم من التأكيدات للشعب الاميركي بأن قواتنا ستتلقى الترحيب بأذرع مفتوحة باعتبارها قوات تحرير، فان الجنود الاميركيين يواجهون، على نحو متزايد، البنادق وتفجيرات السيارات.

وقد كشف تفجير مقر الامم المتحدة في بغداد، على نحو واضح، عن سياستنا الحمقاء في العراق. ويطلب من الشعب الاميركي أن يكون صبورا، ويجري ابلاغه بأن تحقيق السلام يتطلب وقتا. وفي غضون ذلك، يتواصل احساس العراقيين بالاحباط وبالغضب ايضا. ان عجز الولايات المتحدة حتى عن استعادة الاسباب الاساسية للمعيشة يزيد اذكاء النيران.

وقبل ان تبدأ الحرب كنت قد طالبت الرئيس بالتفكير في العواقب. ولم يكن هناك شك في الحصيلة العسكرية للحرب بين الولايات المتحدة والعراق. فقوتنا ليست موضع تساؤل.

ولكنني كنت شديد القلق بشأن النتائج التي يمكن أن تعقب ذلك، خصوصا اذا كنا عاجزين عن اقناع حلفاء أساسيين بالانضمام الى جهدنا.

واليوم أحث الرئيس على اعادة النظر بخياراته. فقد آن الاوان لمطالبة المجتمع الدولي، لا بتقديم العون على استعادة السلام والامن في العراق فحسب، وانما، ايضا، بالمشاركة في دفع العراق الى حكم نفسه. وبينما فتح وزير الخارجية حوارا مع الامم المتحدة، يجب ان يكون ذلك تبادلا حقيقيا للرأي وليس مفاجأة أميركية للنفس.

ان ما اصبح واضحا على نحو مأساوي هو ان الولايات المتحدة لا تمتلك خطة راسخة لتسليم العراق الى الشعب العراقي، وتخسر، على نحو سريع، حتى قدرتها على حفظ النظام. وتتعثر الادارة عبر الظلام آملة ان تعثر، بالصدفة، على طريق يضيء لها الوصول الى السلام والاستقرار.

وعلى الرغم من افضل الآمال بشأن اقامة ديمقراطية عراقية، فان الشعب العراقي والعالم لا يرون سوى اسوأ مخاوف الاحتلال. وبدلا من اتخاذ خطوات باتجاه الحكم المستقل، نشهد قتل الجنود الاميركيين بأسلوب حرب العصابات، وهجمات ارهابية، وأعمال تخريب. وقد أدى عملنا العسكري في العراق الى اشعال مرجل من الازدراء لأميركا، وهو وضع خطر يمكن ان يسمم جهود السلام في الشرق الأوسط، ويؤدي الى انتعاش سريع للارهاب على نطاق عالمي.

ان اصرار الرئيس العنيد على ان الكثير من دول العالم ممتنعة عن المشاركة الفعلية في جهود اعادة الاعمار في العراق تكلف، بجلاء، فقدان اشخاص حياتهم. وبالاضافة الى ذلك فانها تكلف الولايات المتحدة فقدان مصداقيتها في العراق وفي مختلف انحاء العالم. لقد وعدنا بتحسين ظروف الحياة، غير اننا أخفقنا في تحقيق ذلك حتى الآن.

ونتيجة لذلك، فان اعدادا متزايدة من العراقيين ينظرون الى الولايات المتحدة كقوة محتلة وليست محررة.

وبدلا من منح الشباب العراقيين مبررا للابتعاد عن عنف الارهاب، فاننا ننثر بذور السخط عبر الاخفاقات وعدم الوفاء بالوعود. ان عجز الولايات المتحدة عن ضمان السلام في العراق يوفر من الناحية العملية لتنظيم «القاعدة» حقلا خصبا من المجندين الجدد.

لقد أثبتت الحرب انها أيسر من السلام. فقد كانت لدينا الاسلحة لتحقيق النصر في الحرب، ولكن ليس الحكمة لضمان السلام. وسيكون أكثر صعوبة الآن تعبئة تحالف اولئك الذين ربما كانوا مستعدين للمشاركة في تحمل عبء بناء عراق جديد. ولكن التحدي كبير جدا بالنسبة للولايات المتحدة وحدها. وتتطلب المشاعر المعادية لأميركا، التي تنبعث على نحو سريع، الشروع بجهد دولي قبل ان ينزلق العراق من عقود من الدكتاتورية الى عقود من الفوضى.

ويكلف جهد الادارة في اعادة الاعمار الشعب الاميركي مليار دولار اسبوعيا. كما يكلف حياة الجنود الاميركيين ومدنيين من دول كثيرة. ان عقلا منغلقا بالكامل هو وحده الذي يمكن ان يخفق في ادراك الحاجة الى تغيير في الوجهة. وقد يؤدي تعاون مع المجتمع الدولي الى اعداد خطة سلام وأمن للشعب العراقي. اما التصريحات المتغطرسة والاعمال الانفرادية فلن تحقق تقدما لقضيتنا.

يجب علينا ان نعمل مع دول اخرى لتحقيق ما لم نستطع تحقيقه وحدنا: سلام دائم للعراق، وفي الحقيقة، لمنطقة الشرق الأوسط عموما.

وتتجسد السمة المميزة للزعامة الحقيقية في قابلية المرء على الاعتراف بالاخطاء والتعلم منها. وقد تحدث المرشح للرئاسة جورج بوش عن الحاجة الى التواضع من جانب بلد عظيم وقوي. وقال «دعونا نرفض غمامات النزعة الانعزالية، كما نرفض تاج الامبراطورية. دعونا لا نتحكم في الآخرين عبر قوتنا، او نبدي لهم لا مبالاتنا. ودعونا نصوغ سياسة خارجية اميركية تعكس شخصية اميركية.. اعتدال القوة الحقيقية، وتواضع العظمة الفعلية». وقد آن الاوان لادارة بوش ان تتراجع عن غرورها الزائف، وتعود الى فلسفة التواضع تلك قبل ان يفوت الاوان.

* عضو ديمقراطي في مجلس الشيوخ عن ولاية ويست فرجينيا

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»