هل يمكن أن يحكم الهنود العراق؟

TT

تلهث الحكومة الاميركية ساعية لاقناع العديد من الدول المؤيدة لسياستها في العراق او على الاقل لا تعارضها بشدة، بارسال قوات لمساندتها في ضبط الوضع، لكن اكثرية الدول خائفة من التورط وبعضها لها مطالب سياسية او مالية مبالغ فيها، وكانت آخرها الهند التي ترددت حيال الطلب الاميركي خشية ان تجد نفسها مخلبا للاميركيين او هدفا للعراقيين.

والعراقيون وهم يطالعون هذه الاخبار يسألون انفسهم هل يعقل اننا سننتهي تحت حكم هذه الدول؟

انا واثق ان واشنطن، رغم ركضها في كل الاتجاهات الاخرى، ستعود الى بغداد والحل الذي لا مفر منه، أي جيش العراق واجهزته الامنية. واجزم انها لن تستطيع ان تضبط الامن في المدن او تحمي الحدود بقوات بنغلاديشية او هندية او صينية او بولندية، اوحتى بقواتها الاميركية. حضور مثل هذه القوات قد يكون مفيدا في معناه الرمزي، أي اضفاء الشرعية على الوضع الراهن، وهذا امر يمكن حله دون الحاجة الى جلب المزيد من الاجانب، لكنها لن توقف المقاومة المحلية او «القاعدة» الاجنبية.

الحكومة الاميركية تدرك تدريجيا انها ارتكبت خطأ فادحا في مايو (أيار) الماضي عندما حلت القوات المسلحة العراقية وجميع الاجهزة الامنية. قتلى اليوم هم ضحايا لتلك القرارات الخرقاء التي بنيت على نظريات مغلوطة شبهت وضع العراق المنهار بحال المانيا النازية بعد الحرب العالمية الثانية، وهي مقارنة ساذجة تماما. ايضا، ظن المنظرون في واشنطن ان الغاء الجيش والامن سيسعد الشعب العراقي على اعتبار انها كانت ادوات لاضطهاده، وهذا طرح تحليله صحيح لكن استنتاجه خاطئ.

فالبعث العراقي عند سقوطه في ربيع هذا العام لا يقارن بنازية المانيا يوم انهيار برلين. فالشعب العراقي لم يكن مواليا لصدام ولم يكن بعثيا. نعم وجدت جيوش كان حلها ضرورة مثل ميليشيا فدائيي صدام، وجيش القدس، اما معظم القوات المسلحة فقد كانت قوات نظامية ملتزمة كأي جيش آخر مماثل. ولا يداخلنا شك انها كانت ستقبل بالعمل تحت امرة قيادة عسكرية عراقية جديدة يتم اختيارها من داخلها، وكانت ستقبل بالوضع الراهن كحل انتقالي، وبمجلس الحكم في تركيبته التي تضم معظم رموز الشعب العراقي.

ان المبالغ الطائلة التي ستنفقها اميركا على جلب قوات حليفة يمكنها ان تنفقها على الشعب العراقي، وهاهي تدفع قرضا قيمته اكثر من ثمانية مليارات دولار لتركيا مقابل مشاركتها العسكرية. بامكان واشنطن ان تحول المال الى العراقيين بتكليفهم ادارة شؤون بلادهم الامنية والعسكرية تحت ادارة اميركية، وتنهي بذلك ايضا ازمة الفقر الظاهرة التي نجمت عن الغاء العديد من الاجهزة الحكومية التي كانت مصدر رزق نصف مليون موظف، يعيش عالة عليهم ملايين من المواطنين. ان خوف القيادة الاميركية من كراهية بعض فئات الشعب العراقي لها لا تبرر عزلهم. لا ننسى ان صدام كان مكروها اكثر ومع هذا استعان بقوات من داخل شرائح المجتمع واضطر للتعامل معهم. فلا يمكن ان يكون الشك سياسة فقط لان الجيش والامن من الاجهزة الموروثة عن النظام المقبور.