مسؤولية الفضائيات العربية

TT

ذكرت في مقالة سابقة ان بعض الفضائيات العربية اصبحت تتحمل مسؤولية اجرامية عن العمليات الارهابية، بما فيها السرقات والقتل والنهب، الجارية في العراق، ببث نداءات المجرم صدام حسين التي تحرض عليها، وبتشجيعها لهذه العمليات ووصفها بالمقاومة الوطنية. آمل من الحكومة العراقية القادمة ان تقاضي هذه الفضائيات والمسؤولين عنها وتطالبها بالتعويضات عما تحمله العراق من خسائر منذ انتهاء الحرب بنتيجة دعمها لهذه العمليات دعماً يعتبر مشاركة جنائية فيها.

اضيف الى ذلك الآن فأقول انها ايضاً تتحمل قسطاً من المسؤولية بنتيجة سلوكها التحريضي عن مقتل ممثل الأمم المتحدة في بغداد والعشرين شخصاً ممن جاءوا الى العراق للمساعدة في اسعاف العراقيين. انني ألقي بمسؤولية تفجير مقر الأمم المتحدة على هذه الفضائيات وسائر الصحف العربية التي تحرض الناس على هذه العمليات. قندرة أي فرد من هؤلاء الانسانيين الذين تركوا اوطانهم وعوائلهم وجاءوا الى بغداد في شهر آب الذي يحرق المسمار في الباب، وجادوا بحياتهم من اجل اسعاف الشعب العراقي، تشرف كل هؤلاء الاعلاميين الذين يطبلون للمقاومة العراقية.

ولكن الامريكان يتحملون جزءا من المسؤولية. ومسؤولياتهم عن التخبط الذي جرى في العراق معروفة. وقد اعترفوا بها. من هذه المسؤوليات فشلهم في ميدان الاعلام. لقد قطعوا اعطيات صدام حسين لهؤلاء الاعلاميين العرب. وهذه غلطة كبيرة في رأيي. كان عليهم ان يبادروا فوراً الى طمأنة كل هؤلاء المرتزقة في الفضائيات والصحف العربية. من ايتام صدام بأن ارزاقهم ستستمر. فلو فعلوا ذلك، لرأينا اعلاماً عربياً مختلفاً كلياً، كله ايجابيات وثناء على السلطة الجديدة وفضل الامريكان على تحرير الشعوب.

هذه مشكلة تراثية. فالانغلوسكسون غير معتادين على رشوة الصحافيين. اتذكر ان ناجي الحديثي عندما كان ملحقاً صحافياً في لندن سألني يوماً عن كيفية ارشاء الصحافيين الانجليز ليثنوا على نظام صدام حسين. حذرته من محاولة ذلك. اتذكر ايضا ان روجرماثيوز خابرني يوماً في قلق وارتباك. ذكر بأن سعد البزاز بعث له بهدية صندوق ويسكي وسوار ذهبي. قال هذا موقف حرج. فانتم العرب تزعلون اذا رفض احد هدية منكم. ولكنني كصحافي بريطاني لا يمكنني ان اقبل هدية من احد. قلت له انا صحافي عربي وليس بريطانيا. ابعث لي بهذه الهدية. ففعل فاحتفظت بصندوق الويسكي واعدت السوار لزميلي سعد البزاز. وقلت له لا تكررها مرة اخرى وتحاول ان تبرطل صحافياً بريطانياً.

تراثنا يختلف عن تراثهم. ومع علمهم بأن الاقلام في البلاد العربية تباع وتشترى ولكل قلم سعره، فإنهم كثيراً ما يخفقون في ملاحظة ذلك. وهذه في رأيي هي المشكلة التي وقعوا فيها في العراق. سرحوا الجيش والشرطة وقطعوا الارزاق عنهم فاختل الأمن، وتوقفوا عن دفع الهدايا والعطايا التي كان يستلمها الاعلاميون العرب من صدام حسين فخسروا المعركة الاعلامية. انني ارثي لهم كلما اسمع عن محاولاتهم للتصدي للفضائيات العربية باقامة قنوات تلفزيونية عراقية. يا جماعة لا تكلفوا انفسكم بكل هذا العناء. ادفعوا تكاليف ذلك للعاملين بالفضائيات العربية وسترون كيف يتحول الاحتلال الى تحرير والشهيد عدي الى المجرم عدي والمقاومة الوطنية الى عمليات ارهابية والمستر بول بريمر الى صلاح الدين الأيوبي.