لحظات السعادة النادرة!

TT

هل السعادة شعور دائم أم أنه شعور موقت وإلى زوال؟ كل الذين تحدثوا عن السعادة أكدوا أنها تزول مع زوال كل لذة ومع تفرق كل جماعة ومع رحيل من نحب. انها السعادة التي لم يفلح الفلاسفة والشعراء في تعريفها وحل الغموض الذي يكتنفها، والتي تحتاج دائماً إلى شعاع من نور صادر من قلب إنسان محب في محاولة لاستكناه معناها وسرها.

في روايته «هذا ما أؤمن به» يتناول الروائي المكسيكي كارلوس فوينتوس، بالتحليل قضايا كبيرة مثل الحياة والموت والسياسة والجنس، من خلال منظور السعادة. وتبدأ السطور الأولى للرواية بشرح متعمق لمفهوم بعض الشعوب والمفكرين والفلاسفة والشعراء للسعادة، فمثلاً كان اللاتينيون يرون السعادة مثل ثروة عظيمة لا يمكنهم تعويضها إذا فقدت منهم، كذلك نظر سقراط إلى السعادة على اعتبار أنها هبة من الخالق مماثلة للفضيلة. من غير شك تتطلب سعادة الإنسان الشخصية حياة اجتماعية تتسم بالعطاء والانتماء إلى جماعة متعاونة ومحبة، وهو الذي التفت إليه علماء عصر التنوير في القرن الثامن عشر والذين استطاعوا الإلمام بذلك البعد الأساسي من أبعاد السعادة الشخصية للإنسان. توقف المؤلف كارلوس فوينتوس عند علماء القرن الثامن عشر ليشرح مساهماتهم في تطوير مفهوم السعادة مثل الفيلسوف الفرنسي البارون مونتسكيو الذي ربط بين السعادة الاجتماعية والسعادة الشخصية.

كما أشاد المؤلف بجهود عالم الاجتماع ماري جان انطوان كوندراسا الذي غير من معالم الموازنة بين السعادة الشخصية والسعادة الاجتماعية عندما ربط بين السعادة والتقدم البشري، موضحاً أن الإنسان يشعر بالسعادة من خلال عمليات التقدم.

اقترح الكاتب المكسيكي على قرائه طريقتين للشعور بالسعادة وتجاريان العصر الراهن، أولاهما وهي الأصعب في تصوره تعتمد على الإحياء التراجيدي لأفكار الأجيال السابقة. ومعنى اللفظ (تراجيدي) هنا لا يسير إلى السلبيات والمآسي التي يتعرض لها الفرد وإنما يقصد به أن من يخالف القوانين المعترف بها يجب عليه تحمل مسؤولية أخطائه. ومن ناحية أخرى يعتبر الكاتب المكسيكي التراجيديا قانون الزمان الذي أرساه الأجداد لإنقاذ البطل الذي أحاطت به الأخطاء من كل جانب، ويلخص الكاتب وجهة نظره في أن التراجيديا تضع حداً للصراع بين الحرية والقدر وتعطينا في الوقت نفسه الطريقة التي تناسب كل شخصية على حدة للشعور بالسعادة الحقيقية.

والطريقة الثانية الأكثر انتشاراً والتي يقترحها علينا الكاتب المكسيكي فوينتوس للشعور بالسعادة تتمثل في تفرد الشخصية وتميزها لكن بدون التأثير على تنوع الشخصيات الأخرى حيث يتوجب أن يكون هناك توافق بين مهابة تفرد الشخصية وبين احترام تنوع شخصيات الآخرين المختلفة، وهو التوافق الذي يصادف الكثير من العقبات السياسية والاقتصادية والتعليمية.

يؤكد الكاتب في نهاية الكتاب على أن أوقات السعادة قصيرة وسرعان ما ترحل عنا مخلفة وراءها رغبات لم تشبع ولحظات فرح تشتعل ثم تنطفئ، ولذلك علينا ألا نترك لحظة سعادة دون أن نرتشفها حتى آخر قطرة.