حكاية حوار مع الدكتور عاطف عبيد

TT

حكاية اجراء حوار مع الدكتور عاطف عبيد رئيس الوزراء المصري تعد نموذجا جديرا بالدراسة حول أسلوب تعامل المسؤولين العرب مع وسائل الاعلام. كان مقررا أن أبدأ اجازتي في اليوم التالي عندما تلقيت اتصالا لابلاغي بأن موعدا قد تحدد لي مع الدكتور عاطف عبيد، رئيس الوزراء المصري، في مقر رئاسة الوزراء لاجراء حوار صحافي معه. بعدها بقليل تلقيت مكالمة أخرى تطلب الأسئلة التي سوف أوجهها لرئيس الوزراء لكي يطلع عليها قبل الحوار. شرحت لمحدثي على الطرف الآخر انني لا أضع صيغة لأسئلة مسبقا، لكني أعمل من خلال محاور للحوار معتمدا في ادارته على التفاعل مع الطرف الآخر، فطلب أن أرسل لهم عبر الفاكس المحاور الأساسية للحوار، وهذا ما فعلت.

تجاوزت الاحباط الذي أصاب أولادي لتأجيل بدء اجازتهم التي انتظروها منذ فترة، وذهبت الى مقر مجلس الوزراء بوسط القاهرة في الموعد الذي كان قد تأجل لمدة ساعتين لانشغال رئيس الوزراء باجتماع وزاري. انتظرت قليلا في صالون انيق في رئاسة مجلس الوزراء، تزين سقف قاعته لوحة فنية يبدو أنها لفنان فرنسي من مطلع القرن الماضي، ولوحة من السجاد تحمل صورة الرئيس حسني مبارك.

خرجت مجموعة من الوزراء الى الصالون الملحق بمكتب الدكتور عبيد، وكان هذا علامة على أن الاجتماع الوزاري المصغر قد انتهى، ودخلت الى مكتب الرئيس الذي استقبلني بابتسامة عريضة، ولمحت على الطاولة التي أمامه صورة الفاكس الذي أرسلته يحمل محاور الحوار، ولاحظت وجود عدة نقاط ثم تحديدها بلون مختلف.

تحدث الدكتورعبيد في البداية عن علاقته بـ«الشرق الأوسط» التي يقرأها يوميا منذ أكثر من عشرين عاما، لكنه عاتب عليها لأنها تتناول الموضوعات المصرية بصورة سلبية. أكدت له أن الموضوعية هي الأساس في عملنا، وأن أي نقص في المعلومات تتحمله المصادر الرسمية التي تجعل من مهمة الاعلام عملا إما مستحيلا، أو فاترا، أو دعائيا.

انتقل الدكتور عبيد الى موضوع الحوار وأشار الى الورقة التي أمامه، وقال ما معناه ان هذه الأسئلة أو المحاور تحمل في معظمها أسئلة سلبية ومحلية، وانه كرئيس وزراء لمصر لا ينبغي ان يكون الحوار معه كله في هذا الاطار السلبي، وأن الاسئلة ينبغي ان تقف عند حدود التساؤلات، وتترك له كرئيس وزراء حرية الاجابة بالشكل الذي يراه مناسبا، اضافة الى أنه يعتقد ان اجاباته ينبغي ان تكون إجابات مكتوبة لأنه مسؤول عما يقول ولا ينبغي أن يسمح بترك إجابات قد لا تكون دقيقة. اعترضت على ما طرحه رئيس الحكومة، وذكرته بحوار سابق أدرته معه في المكتب ذاته، وكان حوارا حيويا وايجابيا ومباشرا.

أصر الدكتورعبيد على وجهة نظره، مضيفا انه لا ينبغي ان يظهر رئيس وزراء مصر في صحيفة عربية ولا يتحدث عن الشأن العربي أو أن يطرح وجهات نظر ذات بعد عربي، وأنه ينبغي ألا يغرق في التفاصيل المحلية، وأن يبدو توجه الحوار بشكل عام سلبياً. أجبت الدكتور عبيد، الذي استقبل المناقشة بصدر رحب، بأنني أقدر تماما رغبة رئيس وزراء مصر في أن يراه القراء في صورة ايجابية، ولكن في ذات الوقت لا يرضيه أن يظهر هو في الصورة التي يريدها وأن أبدو أنا أمام القراء في صورة الصحفي الذي لا يعرف كيف يدير حوارا، وأضفت انه لا يمكن أن يجري أي صحفي حوارا مع رئيس وزراء مصر، ولا يسأله مثلا عن انفلات سعر العملة، أو عن الاتهامات التي وجهها زوليك في المؤتمر الاقتصادي الأخير في عمان حول انسحاب شركات اميركية بسبب أجواء الاستثمار في مصر. جاء الرد هادئا بأنه يفضل أن يكون الحوار من خلال اسئلة مكتوبة ذات محاور عربية وأن تكون أسئلة استفهامية عامة وأن يتناول هو في اطار اجاباته النقاط التي سوف تغطي بالتأكيد ما أريد معرفته من نقاط سلبية من دون ان أضعها في شكل سؤال. واقترحت في النهاية أن أضع أسئلة مكتوبة تحتوي كل النقاط والأسئلة التي أرغب في توجيهها لرئيس وزراء مصر سلبية وايجابية، وأن أترك له حرية الاجابة عما يريد.

استمر الحوار أقل من ساعة بقليل، وتناول الدكتور عبيد بالشرح والرد العديد من النقاط الخاصة بالاستثمار واجوائه واسعار العملة، وازدياد حجم الاستثمار والتسهيلات المقدمة، وبدا متفائلا بالمستقبل، وأجاب عن العديد من الاسئلة، كل هذا في اطار «الدردشة» وليس الحوار بغرض النشر، وانتهى اللقاء بعد أن أتى المصور والتقط بعض الصور له لاستخدامها في الحوار الذي سوف يجيب عنه كتابة كما طلب.

وأرسلت الأسئلة في اليوم التالي، وكانت حوالي 30 سؤالا تغطي ما رأيت أهمية الحوار حوله. وانتظرت الاجابة عنها، وبدأنا محاولات الاتصال بمكتب الدكتور عبيد، أو أي من مساعديه، وهي المحاولات التي باءت جميعها بالفشل، واستخدمنا كل الوسائل الالكترونية والهاتفية والبشرية، لكننا فشلنا في الوصول الى أجابة، بل حتى الى تواصل. وها نحن لا نزال في انتظار الاجابة، وقد مرت الذكرى الشهرية الأولى على اللقاء.. واقتربت الثانية.

[email protected]