بئس الديموقراطية!

TT

القتال على حافة الهاوية. انه العنوان الأفضل الذي يمكن أن نعطيه للصراع السياسي المحتدم على مستوى قمة السلطة في لبنان وفي فلسطين أيضاً. ففي الواقع لا شيء يوازي العلاقات الملتهبة بين الرئيس إميل لحود والرئيس رفيق الحريري، إلاّ العلاقات الأكثر التهابًا بين الرئيس ياسر عرفات والرئيس محمود عباس.

ترسم وتيرة الصراع الرئاسي لبنانياً وفلسطينياً، خطاً مثيراً يُبرز جملة كبيرة من المفارقات المؤلمة التي تنعكس سلباً، لا بل تدميراً على المصلحة الوطنية. فإذا كان الصراع بين أبو عمار وأبو مازن يدور فعلاً على حافة خطرة، أي أنه يهدد المساعي والجهود المبذولة للتوصل إلى قيام الدولة الفلسطينية، فإن الصراع بين لحود والحريري يدور على حافة أخطر، لأنه يهدد كل الجهود المبذولة لمنع انهيار الوضع العام في البلاد بما يهدد بقاء الدولة اللبنانية القائمة.

من المفارقات المثيرة أيضًا أن الصراع الرئاسي الفلسطيني يدور حول «خريطة الطريق» وينشأ من الخلاف على الأدوار والأحجام والإمساك بالقرار والكلمة النهائية، رغم أن التحديات التي تواجه الفلسطينيين، تحتاج عملياً إلى أقصى درجات التعاون والتنسيق بين عرفات وعباس، بحيث تكون الكلمة لشيء اسمه «السلطة الوطنية الفلسطينية»، التي تشكل المظلة لكل منهما.

في المقابل ينطلق الصراع بين لحود والحريري من انعدام، أو استحالة، وضع أو تنظيم «خريطة طريق» توضح الخط الذي يجب أن ينتهجه لبنان في مقاربة مشاكله المتصلة بالأزمة الاقتصادية المتفاقمة وبقضايا إعادة بناء هيكليات الدولة بعد تطهيرها من الفساد وتحديثها، وباستجابة البرامج المتصلة بمعالجة ديون لبنان الثقيلة، وآخر هذه البرامج الشروط التي رافقت مؤتمر «باريس - 2» لدعم لبنان اقتصادياً.

وفي هذا السياق يستعر الخلاف أيضاً، على الأدوار والأحجام والإمساك بناصية القرارات، مع أن ما يواجهه لبنان من تحديات حاسمة وعميقة يتطلب أو يفرض تعاون الرئيسين، لا بل توحّد الجميع في ورشة إنقاذ، تستطيع أن تصل إلى رؤية موحدة وان تتحدث بلغة واحدة.

وإذا كان لا بدّ من استذكار ما تعوّد اللبنانيون على أن يفاخروا به في سياق حديثهم عن الديموقراطية والنظام البرلماني والتمثيل العام، وإذا كان الفلسطينيون وتحديدًا الرئيس عرفات، يحبون تشبيه تجربتهم في السلطة بالتجربة «الديموقراطية» في لبنان، فإن في وسع الأنظمة العربية الأخرى، أيًا تكن طبيعتها، أن تضحك في عبِّها وهي تراقب ما يجري في لبنان وفلسطين وأن تهمس قائلة: بئس الديموقراطية عندما تصبح صراعاً يعطّل الأسس البديهية للديموقراطية.

يوم الخميس الماضي عاش اللبنانيون والفلسطينيون تجربة متشابهة، عندما عقدت الجلسة الأسبوعية لمجلس الوزراء اللبناني، وسط مخاوف عميقة من انفجار يعطّل عمل السلطات بسبب استشراء الخلاف بين الرئيسين على عدد من الملفات المطروحة للنقاش. في الوقت عينه عقد المجلس التشريعي الفلسطيني جلسة لمناقشة بيان حكومة أبو مازن عن إنجازات 100 يوم من عملها، وسط خوف مشابه من انهيار الوضع وخصوصًا إذا نفّذ «أبو مازن» تلويحه بالاستقالة.

يوم الخميس كان فعلاً «خميس الآلام» لبنانياً وفلسطينياً، لكن كل الأيام تتشابه في ما تحمله من متاعب، وكل الأسابيع تتساوى في ما تسوقه من قلق. ولا ندري إذا كانت الأقدار التاعسة جداً، هي التي تضع بصماتها السلبية على العلاقات بين الرؤساء اللبنانيين والفلسطينيين، لكن ثمة ما يدعو إلى الألم حيال هذا الواقع، الذي أجاد أحمد قريع (أبو العلاء) في وصفه عندما قال بداية هذا الأسبوع: «إن الخلافات بين عرفات وعباس صارت محرجة. لقد وصلا إلى مرحلة حيث لا يستطيعان العمل معاً. وإنهما يكرهان بعضهما بعضاً».

والحل؟ ينشط المصريون فلسطينيًا وينشط السوريون لبنانياً، لكن ملامح الفالج السياسي لا تطمئن كثيراً!