معنى اختيار خصم للمسلمين في معهد السلام الأميركي

TT

هذه أحدث رسالة أميركية إلى العرب والمسلمين في كل مكان: أصدر الرئيس جورج بوش قراراً بتعيين واحد من أعدى أعداء الاثنين عضواً بمجلس ادارة معهد السلام الأميركي، المتخصص في الشؤون الخارجية. وهذا التعيين المدهش له دلالته التي تستوقف المراقب للعلاقات الأميركية ـ العربية. لأن الرسالة صارمة وفجة.

صحيح أن معهد السلام لا يصنع السياسة الأميركية، رغم أن له ثلة فيها، إلا أن المشكلة تكمن في أن الذين اختاروه رغم كل ما يمثله، هم الذين يصنعون السياسة. واذا كان المرء يعرف من اختياراته، فإن تنزيل هذه القاعدة على الحالة التي نحن بصددها لا بد أن يرفع من وتيرة القلق والمخاوف لدى العرب والمسلمين جميعاً.

الشخص المعني بهذا الحديث هو الكاتب الأميركي اليهودي سيئ السمعة دانيال بايبس، 53 سنه، الذي له أوصاف عدة ، أحدها أنه رئيس منتدى الشرق الأوسط في فيلادلفيا، ومن أسوئها أنه أطلق موقعاً الكترونياً يسمى «مراقبة الحرم» (الجامعي) لمراقبة الأساتذة والمؤسسات الأكاديمية التي تجرؤ على انتقاد اسرائيل أو تتعاطف مع الفلسطينيين. وقد طالب الموقع طلاب الجامعات الأميركية بتزويده بالمعلومات عن الأساتذة وآرائهم السياسية. لاتخاذ اجراءات قمعهم وارهابهم، ومن ثم اسكات أصواتهم ومعاقبتهم.

كثيرون في العالم العربي ربما لم يسمعوا باسم الرجل، لكن المسلمين في الولايات المتحدة الذين يعرفونه جيداً صدمهم ترشيح الرئيس الأميركي له لكي يكون عضواً بمجلس ادارة معهد السلام، لأن آراءه ومواقفه مناهضة لكل ما يفترض أن تتضمن رسالة المعهد. لذلك فإن مجلس العلاقات الاسلامية الأميركية (كير) ما أن علم بذلك الترشيح في شهر ابريل (نيسان) الماضي، حتى دعا الفعاليات الاسلامية ومختلف الأطراف المعنية بقضية السلام في الشرق الأوسط خصوصاً بين الأكاديميين أو السياسيين المنصفين، إلى تسجيل اعتراضهم على ذلك الاختيار السيئ. وفي منتصف يوليو (تموز) الماضي أصدر «كير» بياناً من أربع صفحات سجل مواقف وآراء دانيال بايبس، التي كشفت عن وجهه الحقيقي.

في البيان طرح «كير» السؤال . لماذا يجب عليك معارضة ترشيح دانيال بايبس، وفي الاجابة أدرك النقاط التالية: * هو من اقترح أن تقوم اسرائيل بـ«محو» القرى الفلسطينية * ادعى أن ما بين 10 و15% من المسلمين هم قتلة محتملون * أعلن معارضته لقول الرئيس بوش ان الاسلام دين سلام * يرفض ادانة الاعتقال الجماعي لليابانيين الأميركيين خلال الحرب العالمية الثانية * يتبنى نظرية لحل النزاعات تقوم على أن السلام يتحقق فقط من خلال قيام أحد الأطراف بالحاق هزيمة عسكرية كاملة بالطرف الآخر * من قال ان الفلسطينيين شعب تعس ـ وهم يستحقون ذلك * يدعي أنه ليس للمسلمين أي ارتباط ديني حقيقي بالقدس * طالب في مقال نشرته مجلة «كومنتاري» في نوفمبر (تشرين الثاني) 2001، بتطبيق فوري «لضغوط سياسية واجتماعية للتأكد من عدم منح الاسلام موقعاً خاصاً من أي نوع في هذه البلاد» (أميركا) * ذكر في خطاب ألقاه في مؤتمر لمنظمة الكونغرس الأميركي ـ اليهودي في 2001/10/21 «أنا قلق جداً ـ منطلقاً من وجهة النظر اليهودية ـ من أن وجود وارتفاع مكانة وتأثير وانتشار المسلمين الأميركيين.. سوف يمثل خطراً حقيقياً على اليهود الأميركيين» * أطلق موقع مراقبة الحرم الجامعي. * أعلن أن «المساجد تحتاج لمراقبة أكثر من تلك المفروضة على الكنائس والمعابد اليهودية والمعابد (الأخرى). كما تحتاج المدارس الاسلامية لمراقبة متزايدة.. للتأكد مما يدرس فيها» * يرفض أي تصوير ايجابي للتاريخ الاسلامي والعقيدة الاسلامية في المدارس العامة * احتج على شركة PBS وتحامل عليها، لعرضها فيلماً وثائقياً عن حياة الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ * لا يتوفر فيه الشرط الأساسي المطلوب في عضوية مجلس ادارة معهد السلام، وهو امتلاك خبرة أكاديمية أو تطبيق مناسب لحل الصراعات واحلال السلام.

هذا السجل المشهود رسم صورة سلبية للرجل لدى المعنيين بالأمر، حتى أن صحيفة «شيكاغو تريبيون» (30/ 4/ 2003) علقت على خبر ترشيحه لمجلس ادارة المعهد الأميركي للسلام قائلة «ينبغي على البيت الأبيض سحب ترشيحه لبايبس، وإذا لم يتم ذلك فيجب على مجلس الشيوخ أن يرفض ذلك الترشيح» وهذا الموقف كانت قد عبرت عنه ايضا «واشنطن بوست» في تعليق نشرته في 4/19 أما صحيفة «دالاس مورنينغ نيوز» فقد استنكرت العملية، وقالت ان فكرة وضع مغامر لاستخدام القوة وترجيحها على التفاوض في مجلس ادارة منظمة معنية بالسلام، تبدو غريبة وغير مفهومة».

هذا الموقف الاستنكاري عبر عنه أكاديميون محايدون، خرجوا عن صمتهم ازاء شذوذ الحالة، اذ تحدثت عنه جوديث كيبر، وهي باحثة في مركز الدراسات الاستراتيجية في واشنطن، قائلة انه يتبنى آراء متطرفة للغاية. أما دون برنز، وهو استاذ العلوم السياسية باحدى جامعات نيويورك فقال ان رؤى (بايبس) لا تساعد ولا تخدم أهداف معهد الولايات المتحدة للسلام، الذي يعمل من أجل التوصل إلى حلول عادلة للنزاعات ـ ووصفه تد جالن كاربنتر مساعد رئيس أبحاث الدفاع والسياسة الخارجية بمعهد «كاتو»، بأنه أكثر «صقر» متشدد يمكن أن تصادفه في الولايات المتحدة. أما جون دماك استاذ التاريخ بجامعة هارفارد فقد اعتبره «أحد قادة التعصب ضد المسلمين في أميركا».

لدي قائمة طويلة من الشهادات الأخرى التي تجمع على أمرين جوهريين; الأول ان الرجل خصم كاره للاسلام والمسلمين والعرب عامة، وهو يعلن عن ذلك صراحة، ويجهر بآرائه كما رأيت، في مختلف المنابر والمحافل، أما الأمر الثاني فهو أن مواقف السيد بايبس تسقط عنه بجدارة شرعية المشاركة في أي جهد يخدم السلام، ناهيك عن أن يكون أحد المسؤولين عن رسم سياسة هيئة تعمل من أجل السلام، خصوصاً في دولة كبرى مثل الولايات المتحدة.

لايعنينا أمر السيد بايبس، إلا من حيث دلالته. والرسالة الكامنة في الاصرار على اختياره، في تحدٍ ظاهر لكل الاحتجاجات التي ثارت ضد ترشيحه في كل صوب. لا تغير من الموقف كثيراً من أنه عين في موقعه لمدة سنة ونصف فقط، وليس لثلاث سنوات كما هو المعتاد، لأن الحاصل أن الآراء الناقدة والمعارضة تم تجاهلها، واتخذ القرار الذي لا يمكن إلا أن يفسر استفزازاً للعرب والمسلمين وازدراء لهم، فضلاً عن أنه يعبر عن أمرين آخرين; أولهما الاستعلاء الذي يتعامل به المتطرفون في الادارة الأميركية مع الآخرين، وثانيهما حرص أولئك المتطرفين على بث رجالهم في كل موقع، بهدف تكريس الهيمنة وازاحة كل العناصر المعتدلة من أجهزة ومؤسسات صناعة القرار الأميركي.

المدهش في الأمر أن ذلك يحدث في واشنطن، في حين ترسل الادارة الأميركية وفداً يمثلها لزيارة المنطقة ومحاولة الوقوف على الأسباب التي تدفع الشعوب العربية إلى كراهية أميركا. كما أن هذه الادارة تبذل محاولات موازية أخرى ـ على الصعيد الاعلامي خاصة ـ لتحسين صورة الولايات المتحدة وكسب صداقة الشارع العربي، وهو المشهد الذي ينطبق عليه المثل العربي القائل: «أسمع كلامك أصدقك، وحين أطالع أمورك اتعجب».

ان القرار الأميركي نموذج للاهانات التي ما برحت توجهها الادارة الأميركية بِغُلاتها المستكبرين، إلى العالم العربي والاسلامي. أما المهين أكثر فيتمثل في أن يظن أصحاب القرار في واشنطن أن العالم العربي يمكن أن يتلقى مثل هذه الاهانات، ثم يبقي على شيء من القبول أو الود للولايات المتحدة.