دفاعا عن حرية التعبير.. لا عن مركز زايد

TT

اثار اغلاق مركز زايد للتنسيق والمتابعة جدلا واسعا في الاوساط العربية، وتداعى عدد كبير من الكتاب والمثقفين ورجال الفكر لتناول هذا الموضوع بالتعليق والتحليل، فحفلت الصحف العربية بسيل من المقالات التي دافعت عن المركز باعتباره منبرا من منابر البحث وجسرا للتفاعل بين المنطقة العربية وبين دول العالم، وباعتباره كذلك رمزا من رموز حرية التعبير والتفكير في المنطقة.

ولا شك ان الذين تصدوا لقضية اغلاق المركز وجدوا ان الدفاع عن المركز هو في جوهره دفاع عن قضية الحرية والديمقراطية التي يبدو ان مفاهيم البعض حولها تفصل حسب الطلب حتى لو تم التجاوز عن الحقائق والتغاضي عن البديهيات.

ومن بين المقالات التي لفتت انتباهي بين هذا الكم الهائل من التعليقات مقالا الاستاذ عبد الرحمن الراشد رئيس تحرير جريدة «الشرق الأوسط» يومي 19و20 اغسطس (آب) الماضي، لا بسبب المكانة التي يتمتع بها الاستاذ الراشد ككاتب مرموق، ولا بسبب المكانة الكبيرة التي تحتلها «الشرق الأوسط» في الساحة الاعلامية العربية بل لان المقالين كانا في الواقع غناء خارج السرب الاعلامي العربي الذي فوجئ بقرار الاغلاق ولانه احتوى على بعض الطروحات البعيدة عن الحقيقة التي يعلمها كل من تابع مسيرة المركز او كان شاهدا على انشطته او قارئا للمطبوعات والدراسات الصادرة عنه.

انني كاكاديمي عربي يعتمد المنهج العلمي في تعاطيه مع القضايا الفكرية والثقافية اجد من واجبي توضيح بعض النقاط التي وردت في مقالي الاستاذ الراشد المشار اليهما والذي يبدو ان ايقاع العمل الصحافي السريع لم يسعفه للانتباه لها او الاحاطة بها:

* ابدى الاستاذ الراشد استغرابه من تمتع المركز بصفتين رسميتين، وقد فاته ان انشاء المركز تم بقرار جماعي لجامعة الدول العربية واستجابة لمقررات ندوة شارك فيها اكثر من 500 مثقف ومفكر وبحضور عدد من الرؤساء بينهم الرئيس المصري حسني مبارك فضلا عن رؤساء اكثر من 10 حكومات وما يزيد عن300 اعلامي في تفاعل نادر بين مؤسسات العمل الرسمي العربي ومؤسسات المجتمع المدني. كما فاته ان تسمية المركز جاءت بناء على اقتراح من امين عام جامعة الدول العربية السابق الدكتور عصمت عبد المجيد وبموافقة جماعية من المشاركين في تلك الندوة.

* وجه الاستاذ الراشد اتهاما خطيرا للمركز لم يسبقه اليه احد حتى بين الذين اعتادوا التحامل على المركز وحاولوا تشويه دوره من خلال اجتزاء بعض المفردات والعبارات من سياقها العام، وذلك حين ذكر الاستاذ الراشد ان بعض الطروحات الفكرية في المركز دافعت بشكل او آخر عن بن لادن وتنظيم القاعدة وهو امر يسهل تفنيده خاصة ان وثائق المركز ومحاضراته كانت تسجل ويحضرها جمهور متنوع يضم دبلوماسيين واعلاميين ومثقفين، واكثر من ذلك فان الذين اعتلوا منبر مركز زايد اكدوا دائما ان تنظيم القاعدة تنظيم ارهابي بمن فيهم الكاتب الفرنسي تيري ميسان الذي اخذ الاستاذ الراشد على المركز استضافته، واذكر هنا ان ميسان قال في محاضرته بوضوح لا لبس فيه ان بن لادن عدو للعالمين العربي والاسلامي وانه يخدم مصالح اعدائهما.

* انتقد الاستاذ الراشد استضافة المركز لتيري ميسان وكأن هذا الكاتب زعيم تنظيم سري او كأنه صنيعة للمركز، وفاته ان ميسان نشر كتابه المثير للجدل حول الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) 2001 في بلده فرنسا وقامت دور نشر عديدة بطباعة الكتاب وترجمته ووزعته مكتبات عديدة في الدول العربية والاجنبية واستضافته قنوات ومحطات تلفزيونية عربية واجنبية واجرت عشرات الصحف العربية والاجنبية احاديث معه وعرضت كتابه وملخصات عن محاضراته في غير مكان من العالم، ومع ذلك لم نجد ان دارا للنشر قد اغلقت او ان صحيفة قد صودرت او على اقل تقدير ان الكاتب قد منع من السفر او حجر على كتاباته ومحاضراته ولم تثر حول نشاطاته تلك الضجة التي اثارها استقبال المركز له.

* ذكر الاستاذ الراشد ان المركز ادير من دون بوصلة مما مكن القائمين عليه من فرض افكارهم المتعارضة مع مصالح اهله، ومثل هذا الطرح يوحي وكأن انشطة المركز انشطة تتم بالخفاء وبعيدا عن العيون، وهو امر لا يتفق مع آلية العمل في المركز والقائمة على حضور اعلامي ودبلوماسي مكثف شهد بتأثيره الجميع. وانني من خلال متابعتي الحثيثة لانشطته لا اجد في محاولة الفصل بين قيادة المركز الميدانية وبين القيادة الفخرية التي تتولى رعاية المركز ورعاية نشاطه الفكري او الاعلامي الا محاولة استعداء وتشكيك بالامانة لا مبرر لها ولا سند لطرحها.

* اما الشيء الذي يتجاوز حد المعقول ما اورده الاستاذ الراشد من انه شاع عن مركز زايد تطرف طروحاته واستضافته لمتطرفين والترويج لافكارهم وهذا لعمري امر مثير للاستهجان والاستغراب. فنظرة لقائمة الذين تحدثوا في المركز او زواره تؤكد ان المركز كان ديمقراطيا في اختياراته واعطى المجال لشخصيات قلما اتيحت لها الفرصة للالتقاء واعتلاء نفس المنبر مما يؤكد حيادية المركز وسعيه لئن يكون جسرا تتواصل فيه الاراء والافكار بعيدا عن التحزب والتعصب فكانت له اسهامات مشهودة في قضايا انسانية عبر طروحات ناضجة لا تفرق بين الاعراق والاديان والاجناس.

وعلى سبيل المثال ومن خلال ما تستحضره الذاكرة فان المركز استضاف عددا من رؤساء الدول العربية والاجنبية منهم الرئيس الاميركي الاسبق جيمي كارتر والرئيس النمساوي وامين عام منظمة الامم المتحدة الاسبق كورت فالدهايم ونائب الرئيس الاميركي السابق البرت آل جور والرئيس الروماني اليان اليسكو وغيرهم.

كما استضاف المركز عددا من رؤساء الحكومات منهم رئيس وزراء الاردن علي ابو الراغب ورئيس وزراء اليابان السابق روتاريو هاشيموتو وكذلك رئيس الوزراء الكوري ورئيس الوزراء الهندي السابق جوجرال ورئيس وزراء مصر الاسبق علي لطفي، ومن الوزراء والمسؤولين العرب والاجانب محمود عباس رئيس الوزراء الفلسطيني وفاروق قدومي رئيس الدائرة السياسية بمنظمة التحرير، ومن المسؤولين الاميركيين جيمس بيكر وزير الخارجية الاسبق وريتشارد ميرفي وادوارد ووكر وادوارد جيرجيان وكلهم كانوا مساعدين لوزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الاوسط في فترات مختلفة. واذا استبعدنا القائمة الطويلة من المسؤولين المحليين ومنهم وزراء الخارجية والصحة والمواصلات والزراعة في تأكيد ان المركز لم يكن بعيدا عن هموم الوطن وتطلعاته، فان القائمة تتسع لتشمل شخصيات فكرية واعلامية فضلا عن السفراء المعتمدين في دولة الامارات ومنهم السفير الاميركي الذي كان من اوائل الذين تحدثوا في المركز ومن الذين تابعوا نشاطه سواء بصفة شخصية او من خلال اركان السفارة التي كانت في معظم الاحيان تحرص على حضور نشاطات المركز. واذا كانت الاسماء تغني في احيان كثيرة عن الاشارة لمحتوى المحاضرات او الندوات التي شارك فيها هؤلاء فانه لا بأس من التأكيد ان كافة انشطة المركز وفعالياته ابرزت نبذ العنف والتطرف ودعت الى المؤاخاة الانسانية والى التعايش بين الاديان والسلام بين بني الانسان.

انني وانا احاول ان احصر تعليقي في حدود ما ورد في مقالي الاستاذ الراشد المشار اليهما فانني ارجو ان تكون ايضاحاتي قد انارت للاستاذ الراشد بعض الزوايا المعتمة في تقييمه لدور مركز زايد للتنسيق والمتابعة، كما ارجو ان تشكل هذه الايضاحات دافعا له لكي يعطي نفس الاهتمام بالمراكز والمنابر التي جعلت من مهاجمة العرب والمسلمين هدفا لها. ولعلنا لا نتهم بانتهاج تفسير تآمري حين نقول ان الحملة التي تعرض لها مركز زايد لم تكن حملة بريئة الاهداف والغايات، وسيأتي اليوم التي تتكشف فيه ابعاد تلك الحملة ومن يقف وراءها، وبانتظار ذلك اليوم علينا ان لا نسمح بأن يتكرر ما حصل لمركز زايد والا كنا شركاء في ممارسة ارهاب فكري لا يقل في خطورته واثاره عن الخطر الذي يمثله الارهاب بشكله التقليدي.

* اكاديمي عربي