هيلاري كلينتون تبدأ عملها في مجلس الشيوخ وسط ظروف مألوفة: الشهرة والقدح

TT

تبدأ السيدة هيلاري رودهام كلينتون، عملها في مجلس الشيوخ ابتداء من الأسبوع المقبل، على غرار السنوات التي أمضتها وزوجها في البيت الأبيض، ترفل في أضواء الشهرة، لكن تعاني من وخزات النقد، خاصة الاتهامات التي تقول إنها تتجاوز كثيرا حدود القانون واللياقة في أمور المال والأخلاق.

فبعد أسابيع لا غير من فوزها في السباق على مقعد مجلس الشيوخ في نيويورك، الذي حظي بتغطية إعلامية هائلة، عادت السيدة الأولى لتحتل عناوين الصحف على صفقات مالية تبلغ قيمتها أرقاما هائلة تفقأ العين. فقد عقدت اتفاقا بقيمة 8 ملايين دولار لتأليف كتاب عن سنواتها في البيت الأبيض. أما محطاتها بحثاً عن منزل في واشنطن، فقد أدت إلى قصر منيف في جورج تاون بقيمة 4.3 مليون دولار، كانت أم جاكلين أوناسيس كندي تسكن فيه.

ويقول المعاونون، إن كلينتون استبعد هذا القصر في جورج تاون، وراح يبحث عن سكن أقل تكلفة، للشراء أو للإيجار. وتقدمت عائلة كلينتون بعرض قيمته أقل من مليوني دولار لشراء منزل في حيّ فوكسهول بواشنطن، لكن صاحب العقار رفض العرض. مع هذا فإن أصدقاء هيلاري يرون أن ليس من الحصافة السياسية التفكير بشراء منزل بهذا السعر، خصوصا أن لدى الزوجين منزلا بقيمة 1.7 مليون دولار في نيويورك، وانهما يواصلان جمع الملايين من الدولارات من الأنصار والمعجبين من أجل تسديد فواتير المحاماة الضخمة.

وعلى حين أن قضية البحث عن بيت تكتسب مسحة سياسية، فإن بعض هيئات المراقبة تقول إن صفقة الكتاب تثير مسألة الأخلاقيات. وتتساءل هذه الجماعات عمّا إذا كانت هيلاري كلينتون ستقبل 8 ملايين دولار من دار نشر سايمون وشوستر، وتظل مع ذلك موضوعية عند التصويت على مئات القضايا التي تؤثر على الشركة المالكة للنشر، وهي عملاق الإعلام فياكوم انكلوسيف.

وبرزت عدة افتتاحيات، بما فيها افتتاحيات «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست»، لتثير الشكوك الأخلاقية حول صفقة الكتاب، وجاء في افتتاحية نيويورك تايمز:

«إن الصفقة ربما تتوافق مع الضوابط اللينة في مجلس الشيوخ حول مبيعات الكتب»، لكنها تشكل «خدشاً للحسّ السليم».

ويقول الشيوخ الجمهوريون المتحزبون، إن صفقة الكتاب ستخضع لضوابط مجلس الشيوخ التي تنص على أن أجور الكتاب يجب أن تكون «عادية ومألوفة» في قطاع النشر. ويقول المسؤولون في دار نشر سايمون وشوستر، إن قيمة العرض مبررة لأن السيدة كلينتون شهيرة، ورائعة، وذات سجل راسخ في عالم الكتب الأكثر مبيعاً.

والمعروف أن عائدات نشر الكتب هي من الموارد القليلة المستقلة التي يسمح بها مجلس الشيوخ لأعضائه. أما الرئيس كلينتون فسيتحرر من القيود، ليكسب ما يشاء من الفرص بعد أن يدخل القطاع الخاص لأول مرة منذ عقدين من الخدمة الحكومية.

ويقول مساعدو الرئيس إنه مرشح لأن يلقي خطابات بأجر عال، وأن يكتب مذكراته، وأن يمارس نشاطات أخرى من شأنها أن تدر عليه الملايين. وليس واضحاً بعد إن كان كلينتون سينضم إلى هيئات مديري شركات، أو إلى مشاريع مثل مؤسسات مصارف الاستثمار، لكن مثل هذه الفرص موجودة وتنتظره.

أما بالنسبة إلى السيدة الأولى، فإنها، كما يقول شيوخ جمهوريون، تبدأ عملها في المجلس وسط تلميحات ووخزات تقول إنها تتعرض لقضايا شائكة من الوجهة القانونية، شأن زوجها الذي سأل ما معنى: «ما».

ويقول هؤلاء إن هيلاري شخصية تقسيمية، بمعنى غياب الإجماع حولها، الأمر الذي لا يحسّن من وضعها إذا ما تصرفت تصرفات جامحة، بتوقيعها عقداً على كتاب ربما يحظر بموجب القواعد الأخلاقية الأكثر صرامة لمجلس النواب.

ويقول السيناتور تشاك هاجل «جمهوري من نبراسكا»، إنها ستكون هدفا يتقصد الكثيرون رميه بالسهام منذ اليوم الأول لدخول قاعة مجلس الشيوخ، مهما قالت ومهما فعلت، فإن هذه المشكلة ستظل قائمة. والأفضل لها أن تستبق هجوم الشامتين والمتصيدين بأن تسأل لجنة الأخلاق عما إذا كانت صفقة النشر لا غبار عليها؟.

لكن السيدة الأولى لا تفكر في مثل هذا، كما يقول مساعدوها، لأن كبار المحامين أبلغوها أن لا حاجة بها إلى ذلك. وتقول المتحدثة ليزا موسكاتين:

«اعتقد انها متساوقة مع القانون، نصاً وروحاً. فعقد الكتاب هو ثمرة مزايدة مفتوحة، تبارت فيها دور نشر كثيرة لتقرير قيمة الكتاب في السوق وقد حصلت السيدة على نصح سديد من محامين مخضرمين».

وتقول المصادر القريبة من السيدة الأولى، إنها قد تستلم ثلث قيمة الكتاب سلفاً (أي نحو 2.7 مليون دولار)، ما ان توقع العقد مع الناشر. ومن شأن ذلك أن يقلص ديون الأسرة، لا أن يسددها كاملة. فتقرير صندوق المصاريف القانونية لكلينتون أفاد في أغسطس (آب) أن الزوجين لا يزالان مدينين بنحو 4 ملايين دولار لخدمات تتعلق بقضية وايت ووتر، وغير ذلك من القضايا.

وقد جمع الصندوق سابقا تبرعات بقيمة 8 ملايين دولار، ولا يزال يواصل عمله لسداد بقية الديون.

أما بخصوص السكن، فإن مساعدي كلينتون يقولون إن العائلة ستحتفظ بالمنزل الاستعماري الهولندي في تشاباكوا (نيويورك)، حيث سيقطنه بيل كلينتون ليذهب منه إلى مكتبه (ما بعد الرئاسة) في مانهاتن. وسيشتري الزوجان (أو يستأجران) منزلاً في واشنطن كبيرا بقدر يكفي لاستقبال عدد كبير من الضيوف، وإيواء أم هيلاري.

ان الضجة حول المنزل الجديد من شأنها أن تخف وتزول بمجرد انتقالهما إلى السكن الجديد، أما الكتاب المقرر نشره عام 2003، فسيظل في صدارة الأخبار، شأن أتعاب التأليف والسلفة.

ان دفع أتعاب التأليف على أقساط أمر مألوف في عالم النشر، فإن تجاوزت مبيعات الكتاب قيمة القسط المدفوع، ربح الناشر، وتلقى المؤلف مدفوعات إضافية بمثابة حصة من سعر الغلاف. أما إذا لم يتحقق ذلك، فإن الكاتب يأخذ أتعابه كلها، ويتعرض الناشر لخسارة محققة.

وتقول مصادر قطاع النشر إن السيدة الأولى وعدت بأن تقدم «مناقشة راقية» لزواجها والاتهام الدستوري لزوجها. أما الناشر فلا يضع في حسبانه الاعتماد على «كشف الفضائح» لترويج هذا الكتاب.

واكتفت هيلاري كلينتون بتقديم عرض شفهي، لا تحريري، عن الكتاب إلى أكثر من عشر دور نشر في آن واحد. ولم تتحرك أي دار لتطالبها بذكر أمور حساسة عن حياتها في البيت الأبيض، حسب قول مصدر مطلع على حيثيات العرض.

وأضاف المصدر «أدهشني حقا امتناع دور النشر عن الإلماح إلى الأمور الحساسة، نعني فضيحة لوينسكي. بل ان أحدا لم يأت على ذكر اسم لوينسكي أبداً».

وبالطبع فإن ذيوع فكرة خلو الكتاب من الإثارة من شأنه أن يقلل انتشاره، حيث لن يحقق مبيعات بقيمة 8 ملايين دولار، الأمر الذي يثير الشكوك بصدد نيات الناشرين الحقيقية، التي يمكن أن تكون مصالح تتجاوز الربح المالي الآني. ويقول ستيفن وايس، من مركز التجاوب السياسي في واشنطن: «إن صفقة نشر كتاب بثمانية ملايين دولار لها تأثير لا يقل عن تأثير تبرع بقيمة 8 ملايين دولار لأغراض انتخابية أو سياسية. وهذا يعني أن السيدة كلينتون ستهتم بأمور الشركة الناشرة أو الشركة المالكة لها، حين تطرح للنقاش في الكونجرس».

وحين وجه السائلون هذه الأمور إلى مسؤولي شركة فياكوم، فإنهم أحالوها إلى دار النشر سايمون وشوستر. أما المتحدث باسم دار النشر، آدم روذبرج، فقال إن دافع الدار لا يتجاوز قط الأمل المعتاد بأن تكون عائدات الكتاب أكثر من تكاليفه، لكيما يؤمن للدار أرباحاً مأمونة.

وأضاف روذبرج «إن أي سلفة تدفع للمؤلف هي أشبه بمقامرة، لكنها مقامرة معقولة تعتمد على المعرفة بأمور النشر».

وأشار إلى أن كتاب هيلاري الأول الموسوم «يلزم قرية»، بقي 20 أسبوعا على قائمة الكتب الأفضل مبيعا، أما كتاباها الآخران، أحدهما عن رسائل الأطفال إلى الكلبين بودي وسوكس في البيت الأبيض، والآخر بعنوان «دعوة إلى البيت الأبيض»، فقد حققا مبيعات جيدة تماما. وقد تولت دار سايمون وشوستر نشر الكتب الثلاثة، وان الدار، كما أفادت مصادر مطلعة، لا تريد أن تفقد هيلاري كلينتون حين تربح هذه مذكراتها المنتظرة.

* خدمة لوس انجليس تايمز (خاص بـ «الشرق الأوسط»)