لجنة ميتشيل: هل تستطيع إصلاح ما أفسدته إسرائيل؟

TT

لا احد يستطيع التكهن بما يمكن ان تصل اليه المفاوضات الجارية في واشنطن بين الجانب الفلسطيني والجانب الاسرائيلي. كل الذين يقطعون بان الظروف لا يمكن ان تسمح حاليا بالاتفاق لا يعرفون كل جزئية مما يعرض على الفلسطينيين. يعرفون الاطار العام والخطوط الحمراء التي تمتد حتى عبر الفلسطينيين اثناء مباحثات السلام في واشنطن التي تلت مؤتمر مدريد للسلام. استمر التشاؤم شهورا بلا اي بارقة امل. كل كلام شامير ان لم يكن منظره ـ يعمق هذا التشاؤم واذا بباب خلفي يفتح ويعلنون عن اتفاق اوسلو.

غير ان هناك موضوعا آخر وهو موضوع ارسال مراقبين دوليين الى الاراضي الفلسطينية وهو القرار الذي لم يحصل على الاغلبية الكافية في مجلس الامن الدولي الاثنين الماضي، الذي قال عنه عمرو موسى وزير الخارجية المصري ان امتناع بعض الدول عن التصويت خطأ كبير.

عدة نقاط جديرة بالذكر ان القرار هادئ يدعو الى تدابير تكفل حماية محايدة للسكان المدنيين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الاسرائيلي، بل انه يراعي الجانب الاميركي المهيمن من حيث انه يدعو الى وقف العنف ودعمه للمفاوضات التي تم التوصل إليها في مؤتمر شرم الشيخ. ان القوة التي يدعو اليها هي من المراقبين العسكريين والشرطة التابعة للامم المتحدة، بل والتشاور مع الجانبين بشأن قوام القوة وطرق نشرها وقد حصل القرار على 8أصوات من 15 اي اغلبية عددية. صحيح ان كل الدول التي صوتت عليه كانت من دول عدم الانحياز التي تقدمت به بالفعل ولكن ايضا حصل على تأييد الصين، الدولة الوحيدة الدائمة العضوية في مجلس الامن التي صمدت رغم كل الضغوط الاميركية المحمومة عليها» وهذه خطوة هامة للغاية رغم كل اغراءات التعاون مع اسرائيل. وكذلك اوكرانيا، اهم واكبر الدول التي كانت جزءا من الاتحاد السوفياتي، وهي علامة اخرى، ودعوة الى الدول العربية لتعميق علاقاتها مع كل الدول التي كانت جزءا من الاتحاد السوفياتي ولكن السفير حسين حسونة مندوب الجامعة العربية الدائم في الامم المتحدة عبر عن استغرابه لرفض روسيا وفرنسا بصفة خاصة للمشروع.

نقترب من الصورة قليلا بمجهر لنتساءل: لماذا روسيا وفرنسا؟

روسيا بلا شك تتعاطف مع قضية الفلسطينيين، بل ان الرئيس بوتين في صراع خاف ومعلن مع عتاة اليهود في روسيا الذين اصبحوا يشار اليهم بالمافيا ويسيطرون على وسائل الاعلام وقسط اعظم من المال ولكنها حريصة على علاقتها مع الولايات المتحدة التي تمر بمرحلة غاية في الدقة، وعندهم مصالح استراتيجية متشابكة.

وربما كان الروس قد «انقمصوا» لانهم لم يتلقوا دعوة لحضور قمة شرم الشيخ، مهما اختلفت حساباتهم ومهما كانت الضغوط على الدولة المضيفة وتردد في اوساط الامم المتحدة انهم ايضا يحسون بان العرب يساندون شعب الشيشان في مقاومة الهجوم المسلح عليه، الامر الذي يمس الرئيس بوتين شخصيا الذي بنى مجيئه الى السلطة على مقدرته على سحق هذه الثورة.

وفي اروقة المجلس تسمع السفير الروسي وهو يهمس متعاطفا: اذا استخدمت الولايات المتحدة الفيتو ضد القرار فكيف يمكن ان تنفذوه على الارض من دون تعاون اسرائيل؟ ان العالم تغير ناهيك عن ان مادلين اولبرايت اجتمعت بوزير خارجية روسيا ومارست عليه ضغطا شديدا.

مشكلة فرنسا اكثر تعقيدا، إذ هناك تخبط واضح في السياسة الفرنسية وربما انقسام في القمة حول الشرق الاوسط تتجاذبه عدة عوامل. انها كرئيسة للاتحاد الاوروبي هذا العام لا بد ان تعكس ميول الاتحاد كله بما فيها دول الشمال الاوروبي المانيا وهولندا التي كانت تلعب تاريخيا دورا متعاطفا مع اسرائيل، يقولون انه يعود الى مقاومتهم مع يهود اوروبا للنازية، وانهما دولتان صغيرتان تعتمدان على تحالف وتوازن عدة احزاب وانقسامات داخلية، وها هي تقيم محطة للبث في جنوب السودان مما يخدم اغراض اسرائيل قبل اي اعتبار آخر.

والاوروبيون يحاولون بناء اسس او اطر لتعاونهم تحتاج اكثر ما تحتاج الى حد ادنى من الاجماع، وفرنسا تتوخى ان تلعب دورا قياديا فيه والرئيس شيراك غارق في مشاكل داخلية ويحتاج الى كل دعم. ويعرف تماما قوة التأثير اليهودي حوله ولا يريد الدخول في معارك معهم. وهناك فريق من اليهود الفرنسيين يحس بذلك كله، ومنهم الكاتب والسفير السابق اريك رولو، وقد كونوا ذلك الفريق الذي يتعاطف مع ادانة العنف، وتوفير الحماية للفلسطينيين، الامر الذي لم نر نموذجا مماثلا له بين يهود الولايات المتحدة الذين لم ينطق واحد منهم بكلمة في احلك ايام انتفاضة الاقصى والافراط الاسرائيلي في استخدام العنف. ويدرك هذا الفريق عن كثب حاجة شيراك والحكومة الفرنسية الى دعم لمواجهة التأثير اليهودي العارم.

اللجنة ومفاوضات السلام ما ينبغي ان يقال ان احدا لم يعارض فكرة ارسال المراقبين، وقد كان الجدل او حجة أميركا والدول التي امتنعت على الاقل على اساس التوقيت، اذ قالوا انه من غير المناسب اصدار القرار بينما تستأنف مفاوضات السلام في اليوم التالي، وان هذا قد يؤثر على مناخ المفاوضات.

ويتوجس الكثيرون في اميركا وفي العواصم العربية من ان تكون هذه الدورة كلها لمجرد تهدئة الاوضاع وكسب الوقت او اضاعته غير ان السفير حسين حسونة يؤكد ان مجموعة عدم الانحياز ستواصل جهودها على ضوء ما تسفر عنه المفاوضات الجارية في واشنطن.

* كاتب مصري مقيم في اميركا