العبرة الآيديولوجية للسلام

TT

هل يدخل العام 2000 التاريخ كعام التأقلم الاسرائيلي مع الواقع الجغرافي ـ السياسي للدولة... أو بدايته على الاقل.

حتى هذا العام ـ عام الانسحاب من لبنان تحت ضربات المقاومة المسلحة، وعام اعادة النظر تحت وطأة الانتفاضة الفلسطينية الثانية، في «المقدسات» الصهيونية التي لا رجعة عنها في «القدس الموحدة» ـ كانت سياسة الرعيل الصهيوني الحاكم في اسرائيل سياسة «تجربة وخطأ»: تجربة ما يمكن للآلة العسكرية الاسرائيلية ان تفرضه من امر واقع على الارض المحتلة... وخطأ التقدير السياسي لمدى القبول الفلسطيني ـ والعربي ـ بهذا الامر الواقع. بعد اكثر من ثلاثة عقود على احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة قد لا تكون مجرد صدفة ان يبدأ التأقلم الاسرائيلي مع الواقع الفلسطيني والعربي وسط حالة من الفراغ السياسي على صعيد مؤسسة الحكم، فالحكومة المستقيلة والانتخابات المبكرة اتاحا لايهود باراك وارييل شارون، بالتساوي، هامش تحرك سياسي على قاعدة «التجربة والخطأ» مرهون هذه المرة بقرار الناخب الاسرائيلي.

مع ذلك، وبصرف النظر عما سيكون عليه قرار الناخب الاسرائيلي في انتخابات فبراير (شباط) المقبل، يصح الاستنتاج بان حلم مؤسس الحركة الصهيونية المعاصرة، تيودور هرتزل، في منح «ارض بلا شعب الى شعب بلا ارض» تبدد... بارادة ذلك الشعب الذي شاء، بطوباوية ساذجة، تجاهل مجرد وجوده على الارض.

في هذا السياق قد يكون من المبكر بعد تقويم المؤثرات البعيدة الامد لاي اتفاق سلام فلسطيني ـ اسرائيلي واقعي ـ ولا نقول منصف فحسب ـ على ايديولوجية الرعيل الصهيوني المؤسس للدولة، فمن تحصيل الحاصل ان الحركة الصهيونية كانت (عام 1902) احدى افرازات الطفرة الاستعمارية التي عاشتها اوروبا آنذاك، وتصورها للدولة اليهودية لم يكن اكثر من حلم استعماري بغرس مجتمع اوروبي بورجوازي الطابع في المشرق العربي يكون رواده من اليهود، وسط ما كان يعتبرمجتمعا متخلفا ومستسلما للارادة الاوروبية. في هذا السياق قد تكون الانتفاضة الفلسطينية الثانية امتدادا تاريخيا للثورات الفلسطينية السابقة على الانتداب البريطاني في الثلاثينات والاربعينات واستمرارا طبيعيا لمعركة الاستقلال عن الاحتلال الاجنبي. في ضوء هذه الخلفية قد يصح القول بان اي اتفاق سلام فلسطيني ـ اسرائيلي يستتبع انسحابا من «ارض ميعاد» الحلم الصهيوني ـ مهما كان هذا الانسحاب محدودا ـ ويستوجب اعادة نظر في «المقدسات» و«الثوابت» الصهيونية في القدس المحتلة... يؤذن ببدء نهاية العصر الاستعماري للحركة الصهيونية وربما ببلوغ الدولة اليهودية سن الرشد في تصورها الواقعي لمستقبلها في المشرق العربي ـ ان كانت حريصة على ان يكون لها ثمة مستقبل.

يبقى ان يثبت الناخب الاسرائيلي في انتخابات فبراير المقبل انه يفهم من «تنازلات» باراك في مفاوضات واشنطن ان على الحركة الصهيونية ان تعيد صياغة ايديولوجيتها بحيث تصبح اكثر واقعية وأقل... توراتية.