من أحداث الأسبوع

TT

لا شك ان اهم حدث بالنسبة لشعوبنا الاسلامية في هذا الاسبوع هو نهاية شهر الصوم وحلول عيد الفطر. ولكل شعب منها تقاليده في الاحتفال. ولكل تقليد منها مزاجه المحلي. كنا وما زلنا نحتفل في العراق حسب مزاجنا. ومزاجنا العراقي يمشي بهذا الشكل. اول ما نستقبل به عيد الفطر، وأي عيد كان، بالمقابر. كانت والدتي رحمها الله توقظني وانا صبي صغير في الفجر الباكر مع بقية الاطفال. علينا ان نهرع الى مقبرة الشيخ معروف ونقف امام قبر والدي رحمه الله. تقول ان الموتى في فجر صباح العيد يفتحون اعينهم وينظرون. وعليه فمن المهم ان نكون هناك عندما يفتح والدي عينيه ليرانا ويتفرج على ملابسنا الجديدة وكتبنا ونجاحنا في الامتحان. لا فائدة من الوصول الى القبر بعد طلوع الشمس لانه يكون قد استأنف النوم وعلينا ان ننتظر حتى العيد القادم حتى نفرجه على ملابسنا الجديدة ودفاترنا.

نبكي ونذرف الدموع هناك على اصوات صراخ وعياط النساء وكل تلك المشاهد المسرحية التراجيدية. شق الثياب وتعفير الوجه بالتراب وتحمير الخدود والصدور باللطم. ننتهي من ذلك وننطلق الى النزهة والفرفشة. والفرفشة تبدأ بالركض الى الفرجة، وهي محل الالعاب، من دواليب الهوا والمراجيح. لماذا يسمونها بالفرجة؟ لانه عندما يرتفع بك دولاب الهوا تستطيع ان تتفرج على كل القبور المحيطة بك. فمن اصول الفرجة في بغداد ان تكون بجانب مقبرة، والا فهي ليست فرجة تستحق الزيارة. هكذا فرجة الشيخ معروف وفرجة الشيخ جنيد وفرجة الشيخ عمر وفرجة الامام أبي حنيفة. والواقع ان التفرج على هذا الحشر من القبور البغدادية اعطانا في طفولتنا اول تذوق للفن الحديث. فليس فيها اي نمط معين وتأخذ اشكالا تجريدية ملونة. بعضها منبسط، بعضها قائم، هذا من المرمر وذاك من الطابوق الرخيص، وآخر مغطى بسقف حديدي مزخرف يقي الميت من حر الصيف والمطر في الشتاء. وكانت هذه السقوف المعدنية مصبوغة بألوان لم يستشر بها احد رأي المتوفى، حمراء او صفراء او خضراء، وهكذا. قطعة جيدة من فن ضياء العزاوي. اكثر من ذلك، لم تعط هذه المقابر مثالا جيدا لإبداع الفن الحديث في العراق فقط وانما ايضا لروح الفردية والتشرذم والطبقية في السياسة العراقية. حتى بعد الموت تستطيع ان تعرف المترف من المستضعف.

نعود الى البيت فنجد الاخوة الكبار قد التهموا كل الحلويات وكليجة الجوز الجيدة فيبدأ الصراخ والعراك. ونقسم بالله ألا نزور قبر والدنا في العيد القادم ولا في اي عيد. نخرج من البيت ونذهب لمتعة ما بعد الظهر وهي ركوب الحمير. ما ان ندفع اجرتها ونعدو خببا بها حتى ننطلق بالغناء «اللي عايفها رجلها تروح ويانا». الحمد لله لم تستجب لدعوتنا الكريمة اي امرأة عافها وهجرها زوجها ونحن لم نبلغ العاشرة من عمرنا بعد. وما يغريها للالتحاق بنا وكل ما نعرضه عليها هو ركبة حمار بأربعة فلوس؟

تتدافع الحمير في جريها، تركض وتنط وتعض وترفس، يسقط هذا من صهوة حماره ويعود الى البيت يئن من الوجع، وينشق سروال الآخر ونجده بدون لباس. نستغرق بالضحك. نترك الحمير ونجري وراءه. تنتهي ايام العيد فنكتئب ونحزن. يأتي اخي الكبير ويواسينا «يا اولاد. يقولون بكره اكو نص يوم عيد».