العالم لم يتغير .. لكنه ازداد توترا

TT

العالم لم يتغير فقط، بعد 11 سبتمبر 2001، بل ازداد سوءا وتوترا وضياعا. فالحرب التي اعلنتها واشنطن على الارهاب، لا يبدو انها انتهت بانتصار عسكري اميركي على الطالبان و«القاعدة» في افغانستان، وباحتلال العراق، بمقدار ما اعطت الجماعات السياسية الدينية المتطرفة في العالمين العربي والاسلامي، ذرائع وفرصا جديدة لتصعيد عملياتها الارهابية.

ان مشهد العالم بعد مرور عامين على عملية 11 سبتمبر، يبعث على قلق حقيقي. اما مشهد الشرق الاوسط، فيصل بالمتأمل في فداحة مأساته وسواد لوحته، الى حدود الهلع، لا على مصير السلام في المنطقة فحسب، بل في العالم.

ويكفي ان يقرأ الانسان عناوين احداث هذه الايام الاخيرة، ليدرك خطورة ما ينساق اليه الشرق الاوسط والعالم، بعد سنتين من هذا التاريخ (11سبتمبر) الذي اراده الرئيس الاميركي وادارته ان يكون تاريخا فاصلا في علاقات الولايات المتحدة بالعالم، ولا سيما العالم العربي ـ الاسلامي: استقالة حكومة محمود عباس ومحاولة اغتيال الشيخ ياسين، اي نعي مشروع خارطة الطريق نظريا وواقعيا. تزايد عمليات المقاومة والارهاب في العراق وتعثر الحكم العسكري الاميركي والحكم المدني العراقي المؤقت في طريق بناء العراق الديموقراطي الجديد. استمرار واشنطن في تبني سياسة الحكومة الاسرائيلية التي ترفض تنفيذ قرارات الامم المتحدة وتعتبر المقاومة الفلسطينية لاحتلالها، ارهابا. وما يسببه ذلك من احراج لكل الحكومات العربية والاسلامية، امام شعوبها، وبالنسبة لمشاركتها في الدفاع عن نفسها بوجه ارهاب الجماعات المتطرفة التي اعلنت الحرب عليها ايضا، وليس على الولايات المتحدة فقط.

ان عودة الولايات المتحدة الى مجلس الامن والامم المتحدة طلبا لمشاركتهما من اجل الخروج من المأزق العراقي، هو اعتراف غير مباشر بأن اعلان الحرب على نظام حكم معارض لسياسة الولايات المتحدة ولمصالحها واحتلال بلاده ليس هو الحل الافضل للنزاعات بين الدول، ولا الاسلوب الانجع في مقاومة الارهاب او نشر الديموقراطية في العالم. ولا تعيين مائة الف موظف في وزارة الامن الاميركية التي استحدثت بعد 11سبتمبر هو افضل هدية تقدمها الحكومة الاميركية لتعزيز استمتاع الانسان الاميركي بحريته. اما مئات المليارات التي كلفتها الحرب على العراق (وعلى افغانستان) وما سيكلفه الاحتلال قبل الانسحاب، فانها لن تساعد الاقتصاد الاميركي على الانتعاش (ولكن المشكلة الكبرى هي في ان تراجع الاقتصاد الاميركي لا تقتصر تداعياته على الشعب الاميركي، بل تصيب كل الاقتصاد العالمي، واقتصاد الدول العربية والاسلامية خصوصا).

والسؤالان المطروحان، عشية ذكرى 11سبتمبر، هما:

1 ـ من هو المستفيد الحقيقي او الفعلي من هذه السياسة او الاستراتيجية التي اتبعتها الادارة الاميركية، بعد 11سبتمبر؟

2 ـ هل سيستمر الشعب الاميركي في تحمل نتائج هذه السياسة التي تعارضها وتعترض عليها معظم دول وشعوب العالم؟

والجواب على السؤال الاول هو: ان المستفيدين هما اسرائيل والجماعات السياسية المتطرفة الارهابية. اسرائيل التي نجحت في جر الولايات المتحدة الى مشاركتها في ضرب المقاومة الفلسطينية للاحتلال، والجماعات الارهابية التي توفرت لها ظروف واسباب جديدة لممارسة ارهابها في افغانستان والعراق وفي دول عربية وآسيوية اخرى. والجواب الثاني هو ان الشعب الاميركي لا بد مدرك، يوما، مخاطر وثمن هذه السياسة النيوـ امبريالية التي تتبعها الادارة الاميركية ـ ومن وراءها من قوى وكتل سياسية واقتصادية ـ وبالتالي موقفها عبر انتخابات رئاسية او نيابية مقبلة.

ولكن ماذا بانتظار اقتناع الشعب او الادارة الاميركية بتغيير هذا النهج السياسي؟

ان امام واشنطن اكثر من سيناريو للخروج من المأزق الذي زجت نفسها فيه. سيناريو التوقف عند هذا الحد من الاحتلالات العسكرية، والتعجيل في تطبيع الحياة في العراق، ثم الانسحاب. وسيناريو الاستمرار في الاحتلال والعمل على اقامة دولة عراقية ديموقراطية والضغط على كل دول المنطقة لمساعدتها في ضرب الجماعات الارهابية، دافعة انظمتها الى مجابهات قاسية مع هذه الجماعات وربما الى اضطرابات وحروب اهلية. ويكون من شأن ذلك ادخال منطقة الشرق الاوسط في سلسلة حروب تدوم مائة عام. اما السيناريو الذي يطالب العالم واشنطن باعتماده فهو الذي يبدأ بوقف ما يجري في فلسطين، وارسال قوات حفظ امن تفصل بين الفلسطينيين والاسرائيليين، تمهيدا للدخول في مفاوضات بينهما باشراف دولي.

لسوء الحظ، ما زالت واشنطن، كما أكد الرئيس بوش في خطابه الاخير، تعتقد بأن نجاح مشروع خارطة الطريق يبدأ بكسب الحرب على «الارهاب ـ المقاومة» في العراق وفي العالمين العربي والاسلامي.

بعد كل ما جرى في افغانستان والعراق وفلسطين والدول العربية والاسلامية، والعالم، منذ سنتين يبدو ان المسؤولين عما حدث، اي الجماعات الارهابية واسرائيل والادارة الاميركية، «لم ينسوا شيئا ولم يتعلموا شيئا» لسوء حظ العالم.