جدار واحد: رجل واحد: صوت واحد:

TT

إذا كان هناك قانون حديدي واحد حكم تاريخ العلاقات العربية ـ الإسرائيلية فهو قانون النتائج غير المقصودة. فعلى سبيل المثال ما تزال إسرائيل تصارع لاحتواء النتائج غير المقصودة لنصرها عام 1967. وقد شرعت إسرائيل حاليا في بناء أسوار وجدار حول الضفة الغربية للحيلولة دون تسلل الإنتحاريين. ونسبة لأنني نظرت إلى هذا الحائط من الجانبين، فإنني استطيع أن أغامر بهذه النبوءة: ستكون هذه أم النتائج غير المقصودة بالنسبة إلى إسرائيل. وبدلا من أن يحدد هذا الجدار الخطوط العريضة لحل الدولتين، فإنه سيقتل هذه الفكرة بالنسبة للفلسطينيين، ويدفعهم دفعا، مع مرور الزمن، الى المطالبة بدولة واحدة، يكون لهم فيها حقوق متساوية مع اليهود. ونسبة لأن عدد الفلسطينيين في إسرائيل والضفة الغربية وغزة، سيكون أكثر من عدد اليهود عام 2010، فإن هذا التحول في القضية الفلسطينية سيحمل معه معضلات كبيرة لإسرائيل. وإذا كان اليهود الأميركيون في ساحات الجامعات والكليات، يجدون صعوبة حاليا في الدفاع عن إسرائيل، فلك أن تتخيل أبناءهم وهم يجادلون ضد مبدأ صوت واحد لرجل واحد!

لماذا يحدث هذا؟ أولا لأن الجدار لم يقم على حدود عام 1967. بل اقيم على الأرض الفلسطينية داخل الضفة الغربية. ولأن الجدار يعني في الحقيقة شريحة من الأرض، عرضها أكثر من 100 ياردة، من الأسلاك والخنادق والمجسات وآلات التصوير، فإن شرائح إضافية من الاراضي الفلسطينية تجري مصادرتها، وتقام الحواجز بين الفلاحين وبين أراضيهم.

قال نضال جلود، متحدثا باسم سكان قلقيلية الحدودية بالضفة الغربية:

«إذا رغب الإسرائيليون في بناء جدار على الخط الأخضر لعام 1967، فليجعلوا ارتفاعه 100 متر، فتلك لن تكون مشكلة. ولكنهم لم يقيموه على الخط الأخضر وإنما أقاموه داخل أراضينا».

وقد صار ارتفاع الحائط عند قلقيلية 24 قدما لأن خمسة انتحاريين تسللوا منها إلى إسرائيل. يضاف إلى ذلك ان الإسرائيليين يرون الجدار من جانبهم فقط. أما بالنسبة للفلسطينيين فإن الجدار يعني هذه الشبكة من حواجز التفتيش والأسوار المقامة داخل الضفة الغربية. كما يعني كذلك إغلاق كل المخارج من القرى الفلسطينية ما عدا منفذاً واحداً فقط. وقد صارت الضفة الغربية تحت هذا الوضع سلسلة من الاقفاص. فقلقيلية محاطة بالاسوار من ثلاث جهات، ليس لسد المنافذ بينها وبين إسرائيل وحدها، بل كذلك بينها وبين المستوطنات الإسرائيلية المقامة داخل الضفة الغربية إلى الشمال والجنوب. ولن تستطيع الخروج من قلقيلية إلا عبر حاجز تفتيش إسرائيلي واحد، حيث ينتظر الفلسطينيون لعدة ساعات.

قال لؤي تيّم، عامل الإغاثة الفلسطيني الذي كان يتحدث إلي وهو يصطف في انتظار الخروج من قلقيلية: «أحاول الذهاب إلى قرية فندك التي تبعد عشر دقائق بالسيارة من هنا. ولكنني سأستغرق اليوم ثلاث ساعات لأصل إلى هناك. وعندما اقول للجنود انني ذاهب إلى قرية الفندك، يسألونني في عبرية ركيكة: وأين تقع هذه القرية؟ إنهم يتحدثون إلى بعضهم البعض باللغة الروسية. وانا أتحدث العبرية بطريقة أفضل منهم. فقد عشت هنا 30 سنة وعاشوا هنا سنتين».

إذا أقام الإسرائيليون هذا الجدار حول الضفة الغربية ثم أزالوا كل الحواجز داخلها، فإن هذا سيكون مفهوما جدا. ولكنهم لا يستطيعون أن يفعلوا ذلك لأن المستوطنات تحتاج إلى الحماية أيضا. ومن هنا نشأت الاسوار والجدران في كل مكان، وهي تقضي على التجارة و تخلق هذه الأقفاص التي ستصبح مصانع لليأس والغضب. وعندما يجد الفلسطينيون أنفسهم معزولين في هذه الجيوب مع المستوطنين الإسرائيليين، ويرون هؤلاء المستوطنين وهم يتمتعون بحكم القانون وحق التصويت ودولة الرفاهية وتوفر الوظائف، فإنهم سيطالبون دون أدنى ريب بحق التصويت داخل إسرائيل.

وقد توصل خليل الشقاقي، وهو صاحب مركز لاستطلاعات الرأي، الى أن بين 25 إلى 30 في المائة يؤيدون هذه الفكرة. وهذا رقم مدهش إذا وضعنا في الإعتبار أن حزبا فلسطينيا أو إسرائيليا واحدا لم يطرح هذه الفكرة.

قال محمد دحلي، أول فلسطيني يعين كاتبا في المحكمة الإسرائيلية العليا:

«إذا فقد الفلسطينيون حلمهم في الحصول على دولة مستقلة، فإن الشيء الوحيد الذي سيضمن لهم حياة كريمة هو المطالبة بحق العيش مع الإسرائيليين في دولة واحدة. وعندما يطرح مطلب مثل هذا فإنه سيجد الدعم من المليون فلسطيني الذين يعيشون حاليا داخل إسرائيل. وسنقول عندها، لا تزيحوا مستوطنة واحدة في الضفة الغربية، بل اسمحوا لنا بحق التصويت وافتحوا لنا الباب لنكون جزءاً من المجتمع. وستجد هذه الدعوة استجابة قوية وسط المجتمع الدولي»، خاصة أن إسرائيل قد جعلتها بالفعل دولة واحدة.

أشعر بتعاطف هائل إزاء الإسرائيليين وهم يحاولون ردع الانتحاريين. ولكن بناء جدار دون حدود، ودون معالجة تناقض وجود الإسرائيليين على جانبي الجدار، لن يجلب سوى مزيد من المشاكل.