الأمم المتحدة بين التورط واسترداد مكانتها

TT

كان اجتماع وزراء خارجية الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن في جنيف خطوة طيبة لدراسة المشروع الامريكي الراغب في اعطاء دور اكبر للامم المتحدة في ادارة شؤون العراق ولاجراء تعديلات عليه على نحو يتماشى مع الشرعية الدولية ويعيد للامم المتحدة مكانتها التي حاولت الولايات المتحدة ان تزدريها وتلغيها قبيل وبعد اجتياح العراق، بعد ان ادركت انها غدت في ورطة وتريد الاستعانة بالامم المتحدة للخروج منها او لتوريطها كما يعتقد البعض! حيث اصبحت قواتها هدفاً لهجمات يومية ولم تعد قادرة على ضبط الاوضاع التي تزداد انفلاتا يوما بعد يوم.

واياً كان الامر فلا ينبغي ان تتهيب الامم المتحدة من الورطة لانها باسترجاعها لمكانتها تكون قد استعادت وضعا لا يمكن مقارنته باية متاعب او خسائر قد تواجهها، كما انه لا ينبغي ان تقف مكتوفة الايدي شامتة او صامتة ازاء ما يلحق بالولايات المتحدة من هزائم بعد ان استوعبت الدرس، وهي هزائم قد تقود الى ما هو أسوأ إن بالنسبة لشعب العراق او الولايات المتحدة التي تعتبر القطب الاوحد في العالم!

وبالنسبة لشعب العراق فان انفلات الاوضاع قد يتحول الى فوضى عارمة لا تطيح بوحدة كيان العراق وانما قد تمتد الى كل المنطقة مما يؤدي الى تدخلات اوسع خاصة من جانب اسرائيل، كما ان الولايات المتحدة اذا وجدت نفسها معزولة فقد يزداد خطف الصقور لها فيزيدون من مغامراتهم خاصة انهم اخذوا يرددون ان حربهم في العراق تحولت الى مواجهة مع الارهاب العالمي هناك، علماً بان احتلالهم للعراق هو الذي هيأ للارهابيين الفرصة وليس العكس!

وفوق هذا وذاك فان مسؤولية السلم والامن الدوليين هي مسؤولية الامم المتحدة ولذلك لا ينبغي التخلي عنها لاي سبب او تحت اي ظرف، ومن هنا فان مشروع القرار الامريكي الداعي لاعطاء دور اكبر للامم المتحدة يمكن ادخال التعديلات المناسبة عليه، خاصة ان وزير الخارجية الامريكي ابدى من الاستعداد ما يكفي لتلك التعديلات مع اعطاء الولايات المتحدة ما يحفظ ماء وجهها ولا يبعدها عن دور طليعي بعد كل ما عملت وانفقت وأخطأت!

لا احد غير الامم المتحدة يملك القدرة على انتشال الولايات المتحدة وحليفتها بريطانيا من المستنقع العراقي، فبقدر ما يواجه توني بلير حساباً عسيراً في بريطانيا، وتدنت شعبيته الى ادنى مستوى لها، فان الرئيس بوش هو الاخر بجانب تدني شعبيته اخذت سهام الديمقراطيين تنهال عليه كمقدمات للانتخابات الرئاسية مما جعله في موقف لا يحسد عليه، لانه اذا تخلى عن مسايرة الصقور بدا وكأنه يعترف باخطائه وساعتها يسجل على نفسه الفشل الذي يزيد من سهام المهاجمين، وان سايرهم تزداد ورطته وسيجرونه الى مزيد من الحروب وهذا ما يزيد الاقتصاد سوءاً ويرجح الاطاحة به في الانتخابات القادمة خاصة ان توابيت الجنود العائدة من العراق تضاعف من وتيرة غضب الامريكيين!

وفي الغالب الاعم فان الصقور غير راضين أو راغبين في اعطاء الامم المتحدة الدور الذي ترغب ان تقوم به في العراق، ولهذا فهم يسعون الى التقليل منه بقدر الامكان، وربما يعتقدون ان التصعيد تحت لافتة الارهاب ومحاربته هناك قد يكون مدخلاً لاشعال حروب اضافية في المنطقة ربما يكون في ذلك ما يؤدي الى اعادة رسم خارطة المنطقة بأسرها بما يحقق بسط الهيمنة الامريكية ـ الاسرائيلية على كل المنطقة، وليس امامهم غير هذه المغامرة الا الانزواء والتسليم لجناح المعتدلين في الادارة الامريكية وهو امر لا يرغبون فيه باي حال من الاحوال. ولهذا فان الذين يعتقدون بعدم انتشال الولايات المتحدة من هذا المستنقع عن طريق الامم المتحدة يلتقون مع هؤلاء الصقور وان اختلفت الاهداف، وما ينبغي لهم مساعدة الصقور فضلاً عن ان انتشال الولايات المتحدة هو بالضرورة انتشال العراق من هذه الورطة وفي نفس الوقت انتشال الأمن المتحدة من التهميش الذي اصابها في ضوء كل الملابسات التي صاحبت الحرب على العراق.

ان كل الدلائل تشير الى ان الاتصالات والمناقشات الجارية بين دول مجلس الأمن توحي بان الامم المتحدة ستتحمل مسؤولية مقدرة في معالجة اوضاع العراق وان هناك ما يشى بأن ثمة خارطة يجري رسمها للخطوات المفضية الى تسليم العراقيين زمام الحكم في بلادهم وفق جدول زمني يتماشى مع ترتيبات تؤدي الى كتابة الدستور واجراء الانتخابات، وان مجلس الحكم سيتولى هذا الامر بشفافية مقدرة وقناعة من الامريكيين والمجتمع الدولي، وهذا ما يجب ان يتواصى الجميع عليه عبر اتصالات هادئة وليس عبر مراشقات ومزايدات كما حدث في الماضي.

والمطلوب من الامريكيين والبريطانيين ان يتمتعوا بشيء من فضيلة التواضع فلا ينساقون وراء العزة بالاثم، وكذلك المطلوب من الدول العربية ان لا تقف متفرجة او متلقية لما يتم اقراره ومن ثم تتعامل بردود الفعل، وانما عليها ان تكون جزءا من الفعل نفسه سواء بالنسبة لاسترداد الامم المتحدة مكانتها او استرداد العراق لحريته والنأى به عن الفوضى أو التقسيم او عزله عن محيطه العربي.

ويجب الا يغيب عن البال ان الولايات المتحدة قد دفعها الصقور ومن ورائهم اسرائيل دفعاً لخوض الحرب على العراق بالرغم من ان الجميع كان نبه الى ان الاولوية يجب ان تكون للقضية الفلسطينية، وها هي الآن القضية الفلسطينية تدخل منعطفاً خطيراً بقرار اسرائيل ابعاد أو قتل عرفات ما يعني انها تريد القضاء على آخر امل في خارطة الطريق وكأنها تريد ان تجعل من الذكرى العاشرة لاتفاق اوسلو احتفالا بوضع نهاية لهذه القضية التي وجدت اهمالاً منقطع النظير في عهد هذه الادارة الامريكية التي تتحمل بدون أدنى شك مسؤولية ما اصاب ويصيب الرئيس عرفات لكونها الوحيدة بين كل دول العالم التي رفضت الاعتراف به او التعامل معه وهي التي اعطت الضوء الاخضر لاسرائيل لتقييد حركته لما يقارب العامين، ولن يشفع لها الادعاء بانها تعارض نفيه او قتله بل هي تتحمل المسؤولية كما يتحملها شارون، وسيزداد العالم العربي قناعة بأن احتلال العراق كان هو المقدمة للاجهاز على القضية الفلسطينية باستباحة دم عرفات واستمرار الاحتلال خاصة ان الولايات المتحدة اعتبرت كل منظمات المقاومة منظمات ارهابية واخذت تتدخل في الشأن الفلسطيني بصورة دفعت اكثر من مرة الى اعتاب اشعال حرب اهلية بين الفلسطينيين.

لا شك ان السياسة الامريكية اذا استمرت مختطفة من الصقور الموالين لاسرائيل فانها ستنزلق الى وحل أسوأ مما هو عليه حالها في العراق، وفي الغالب ان بوش لن يعاد انتخابه وربما يكون الرئيس الذي اضاع على الولايات المتحدة فرصة قيادة العالم وفشل في فرض سياسة الهيمنة وعجل بقيام عالم متعدد الاقطاب.