حمار المعارضة

TT

في زمن صدام كان معظم مراسلي الصحافة العربية يمسكون بميكروفوناتهم وسكاكين النظام على حلوقهم. بعض هؤلاء اعترف لجمهوره بالحقيقة، عقب سقوط النظام، وروى كيف زور الانباء مضطرا. احدهم قص علينا ان الوزير المخلوع، محمد الصحاف، قاده الى مكتبه وهدده بالذبح ان خرج عن بيانات الحكومة في رواية الحرب. ولهذا كان جميع الصحفيين في فندق فلسطين، حتى الساعات الأخيرة، يرون الدبابات الغازية من نوافذهم فسكتوا بل زعم بعضهم على الهواء انه لا أثر للغزاة.

ولا ننسى المنظر الشهير، ولن ينساه من تابع الحرب هوائيا، يوم لوحق طيار مزعوم قيل أسقطت طائرته في النهر. فقد اخذ الوزير الصحاف الصحفيين الى نهر دجلة وعرض عليهم مجموعة من الحرس يطلقون النار في الماء. قال انهم يطلقون الرصاص على الطيار. ولساعات ردد المراسلون العرب خرافات الوزير والوزارة، ولم يجرؤ احدهم أن يسأله على الاقل اين هي الطائرة؟ لهذا صدمت الناس يوم سقطت بغداد.

الآن لا توجد وزارة اعلام فلماذا تستمر الاكاذيب؟ بدون سكاكين او تهديدات مكتب الوزير، ممن يخاف الصحفيون؟

لا أدري، فسلوكنا الاعلامي يصيب أي متفرج في الخارج بالحيرة. في ظني انهم أسرى وزارة أكبر، اسمها دائرة الخوف من الفكر المهيمن في المحيط العربي. لهذا السبب ارتفعت الاصوات في بغداد تطالب بمعاقبة الاعلاميين العرب، او بابعادهم. اياد علاوي، سياسي متنور، يشغل منصب عضو مجلس الحكم الانتقالي العراقي اتهم فضائيتين عربيتين بانهما تستغلان الحريات الكاملة في بلده لتحرضا ضدهم كمسؤولين، وضرب مثلا استمرار المحطتين في بث رسائل الدعوة للقتل من قبل اناس ملثمين.

هنا يتساءل البعض هل اصبح علاوي صحافا آخر، يقرر ما تبثه وسائل الاعلام؟

الأكيد انه من باب التناقض ان يعد مجلس الحكم بالحريات ثم يصادرها، ومن الخطأ ان تعتبر الكتائب الصحفية العربية هذه الحريات مزرعة للتزوير والتحريض تجيز لنفسها حتى نقل رسائل القتل. هناك حل وسط، لا تتحول فيه وسائل الاعلام الى بنادق معارضة ولا تصبح معه سيوفا للنظام الحالي. عليها ان تتحلى باكبر قدر من المصداقية دون ان تصبح حمارا للقتلة. سمعت تقرير احدهم يعرض بالوضع السياسي في بغداد مستدلا على انقطاع الكهرباء المستمر، ولم يسع لوضع ما قاله في اطاره الصحيح، وهو ان العراق خرج من اكبر حرب، ولا بد من منحه فرصته الزمنية، مثل بيروت التي عاشت ردحا على الشموع والمكائن الصغيرة، ناهيك من عواصمنا التي ينقطع الكهرباء عنها بلا حرب.

مؤسف ان يلجأ مجلس الحكم الى اغلاق بوابات بغداد، كما طالب علاوي، باقصاء المؤسسات الاعلامية حتى تلك ذات الميول الكارهة للعراق الجديد، فهذه ستكون انتكاسة كبيرة للاعلام قبل العراق. ومؤسف ان يستمر الاعلام العربي بصيغته الحالية، ايضا.

[email protected]