صباح الخير يا ألبير

TT

سألت محررة من مجلة (تايم) الاميركية الكاتب الفرنسي البيركامو لماذا يقولون عنك انك لا تحس بالراحة الا في احضان النساء؟

فقال لها معابثا لماذا لا تلاحظين انهم يحسدونني لاني محظوظ ؟ ثم اردف: الان لو عرض علي قضاء اسبوع كامل مع البرت اينشتاين ويوم واحد معك لضربت بدعوة اينشتاين عرض الحائط، فمن الغبي الذي يترك الجمال ويذهب لقضاء عطلة مع النسبية .

هذا الحوار من فيلم مبتكر عن كامو حامل جائزة نوبل الذي مات مثل رولان بارت في حادث سيارة كسر عموده الفقري وحطم جمجمته التي كان كثيرون يودون تحطيمها اثناء حرب تحرير الجزائر. والابتكار في الفيلم انه يحكي عن اليوم الثاني للحادث المروري يعني ماذا كان سيفعل البير كامو لو لم يمت في ذلك الحادث المؤسف المروع؟!

والفكرة ليست مثل حكاية فيلم (الابواب المنزلقة ) الذي يحكي عن قانون الصدفة وليس النسبية وكيف يمكن ان تتغير الاحداث كليا لو تأخرت الحسناء ثانية واحدة عن القطار فالسيناريو المتخيل لفيلم (الصباح المكسور ) يعتمد على اعمال كامو الروائية والفكرية وعلى مقالاته الرائعة والكثير منها ضد الارهاب والعنصرية.

من (رواية الغريب) وبعد مشهد زيارة البطل لأمه الراقدة جثة هامدة في المستشفى وقتله للجزائري بسبب انزعاجه من الحر، تنتقل الكاميرا ثانية الى المحررة الحسناء ونراها تسأله لماذا يسميه العرب خائنا ؟ فيقول انه يدافع عن العدالة دائما لكنه يدافع اولا عمن يحب ويستطرد ليصرح بانه لم يدافع عن الجزائريين حبا بالحرية بل كرها بالجنرالات الفرنسيين قتلة الاطفال.

وتسرح الكاميرا بعد هذا الجواب في لقطة (فلاش باك) طويلة لتذكرنا بالفظائع التي ارتكبها الفرنسيون هناك والتي ادت الى ان يقف معظم كتاب فرنسا واصحاب الضمائر فيها مع قضية تحرير الجزائر بمن فيهم سارتر الذي زعم كامو في الفيلم انه سرق ولاعته حين كان سكرانا.

وذاك مشهد استخدمه المخرج بذكاء لايحاءات جنسية مرتبطة بالولاعات والكبريت والنار ومعروفة التفاصيل والرموز منذ ايام شرف البنت في مسرحيات يوسف وهبي.

وفي اليوم الثاني لوفاته نشاهد كامو وهو يكتب ثلاث بطاقات لثلاث عشيقات في يوم واحد ثم يلتقي واحدة منهن وهي ميشيل التي جرحت في الحادث، ولأن كامو حسب السيناريو المتخيل لم يمت وواصل طريقه نراه يصل الى نيس على الريفييرا الفرنسية فتستقبله حشود في قرية قبلها بقليل ليخطب فيهم عن المخابرات الفرنسية التي تزرع الحقد والكراهية في كل مكان، لكن عمدة القرية الذي لا تعجبه هذه الاراء يحجبها على الفور باصوات الفرقة الموسيقية التي يفترض المشاهد المخدوع انها تحتفي بالبير كامو وليست هناك لتحجب افكاره وتمنعه آراءه من الوصول الى مستمعيه، فهل الاعلام في كل مكان (فرقة حسب الله) التي تطبل وتزمر وتحجب ما تريد من اراء وافكار حسب رغبة المايسترو؟

في زمن كامو، كان السياسيون الغربيون وجنرالاتهم يقتلون في المساء بدم بارد ثم يذهبون في الصباح الى الاكاديميات والجامعات ليحاضروا عن الوئام والسلام و محبة الانسانية، ويبدو ان مخرج الفيلم وكاتبه وبتكرار تلك المشاهد في اكثر من مكان في فيلم (الصباح المكسور) يريدان اخبارنا بان الزمن لم يتغير وكأننا لا نعرف ذلك ولا ندرك ان الازدواجية الغربية تزداد سماكة وسماجة وانها تجدد اقنعتها في كل حقبة لكن الوجه يظل واحدا لحضارة تلغ في الدماء وتخوض فيها الى الركب وتحاول ان تحل ازماتها على حساب الاخرين البرابرة المتوحشين المحتاجين بحسب كل قناع وكل حقبة الى من يرقيهم ويحضرهم، وشكرا لالبير كامو وامثاله فعن طريق كتاباتهم رأينا الوجه الخفي لتلك الحضارة على حقيقته العارية فاذا به أسوأ واقبح من وجه فاوست في مراحله الاخيرة ودوما من ذلك النوع الذي يخجل منه صدأ المرايا.

[email protected]