كلمة النجف

TT

منذ مقتل السيد محمد باقر الحكيم في النجف مع حوالي مائة من مناصريه ورفاقه، ساد مناخ من الصمت والترقب والغموض، حول ما كان يقال انه صراع حول الزعامة الدينية الشيعية في العراق. وكان بين ابرز الاسماء المطروحة ثلاثة يجمع بينهم ان اباءهم ذهبوا ضحية النظام السابق. اي محمد باقر الحكيم نفسه، والسيد عبد المجيد الخوئي، والسيد مقتدى الصدر، نجل السيد محمد صادق الصدر الذي اغتاله النظام العام 1999 في عملية ترك عليها بصماته وتوقيعه في صورة معلنة ومتعمدة.

قتل الخوئي غداة عودته من لندن طعناً بالسكاكين وهو يؤدي الصلاة في مسجد الامام علي. وقد سحبت جثته الى الخارج حين اطلقت عليها «رصاصة الرحمة». وعوملت المسألة على انها قضية سياسية داخلية. ولم يخف كثيرون امتعاضهم من عودة الخوئي ولا ارتياحهم لمقتله. وبعد مقتل باقر الحكيم، ذي الارجحية السياسية والدينية والشعبية، ظل في الصف الامامي السيد مقتدى الصدر، الزعيم الاكثر شباباً وتشدداً وكذلك اعتراضاً على «المرجعية» ومكانتها ودورها. ويتميز الصدر بالاصرار على طروحات اجتماعية وسياسية لا تقبل مهادنة او مراجعة. وقد اتصلت به شبكة تلفزيونية دولية من اجل مقابلة فوافق. ولدى اعداد الترتيبات للبث رفض التحدث (بالهاتف) الى السيدة التي كلفت اعداد النقل لأنها امرأة. وقدمت له كرسي في الاستديو، فرفض الجلوس عليها واقتعد الارض. وحاول الفنيون ان يعلقوا في صدره «المايكروفون»، فرفض قائلاً انها آلة شيطانية. ثم طلب منه ان يضع السماعة في اذنه لكي يصغي الى الاسئلة التي سيطرحها المذيع عبر الاثير فرفضها باعتبارها، ايضاً، آلة شيطانية. وفي النهاية تم الاتفاق على ان يطرح المذيع الاسئلة على مساعد للسيد الصدر (بواسطة السماعة والمايكروفون) ثم يقوم هذا بدوره بنقلها، فيرد السيد الصدر عليها.

وتشكل هذه الالآت الشيطانية مسألة مهمة في دعاوى الزعيم الشاب. ويقود الرجل حركة سياسية شعبية في بغداد حيث سميت «مدينة صدام» «مدينة الصدر» فور سقوط النظام.

وقد سيطرت الحركة التي يقودها الزعيم الشاب على جميع المرافق فيها ومؤسسات ومكاتب حزب «البعث». غير ان الرجل لا يتمتع على ما يبدو، بالولاء نفسه في النجف وبقية الجنوب. ففي وقت تحتشد «الحوزة العلمية» بالعلماء الكبار والمتقدمين، لم يبلغ هو بعد الثلاثين. وتقول «الديلي ستار» انه عندما يقتضي الامر وتفرض المناسبة، يأتي المؤيدون بالباصات من «مدينة الصدر» الى النجف من اجل اظهار التأييد والقوة. ويلاحظ ايضاً ان زعيم «جيش المهدي» يميل الى استخدام اللغة المحكية فيما يحرص العلماء والفقهاء عادة على النطق الفصيح والخطاب البليغ حتى في اليوميات الصغيرة. ومن المبكر طبعاً الآن تمييز اي اتجاه ارجحي في موضوع الزعامة، حتى في غياب باقر الحكيم نفسه. فالمسألة طبعاً تتعدى الفرد الى التيار الروحي والسياسي. وشكل مقتل الحكيم في «الصحن الحيدري» هزة كبرى في الطائفة الشيعية وطرح اسئلة كثيرة في العمق. ولم يخرج من «الحوزة» الى الآن اي مؤشر في اتجاه البدائل المطروحة وطبيعة الاتجاه الوطني الذي ستختاره الاكثرية، برغم اندفاع الصدر الشديد ومعه «جيش المهدي».