إنهم يقتلون النخيل!!

TT

ليس اول الاخطاء ولا آخرها ولكن ما اقترفته القوات الاميركية في الضلوعية في العراق يؤكد مدى الارتباك الذي يعاني منه الاميركيون منذ احتلالهم لهذا البلد، الذي اخذ يتحول الى رمال متحركة، فابادة اشجار النخيل المحاذية للطرق تذكر العرب بما قام ويقوم به الاسرائيليون في قطاع غزة والضفة الغربية، وتذكر العالم بما جرى في فيتنام عندما كانت القاذفات العملاقة تبيد الغابات بقذائف «النابالم» المحرقة.

كان المشهد محزنا ومرعبا، فالجرافات التي تحرسها الدبابات الاميركية تواصل حراثة البساتين وتقتلع اشجار النخيل التي تحمل عناقيد كبيرة كالذهب الاصفر، وتهرس بجنازيرها وأنيابها المتوحشة بيارات البرتقال والليمون والرمان، بينما الفلاحون العراقيون يراقبون المشهد بمقت وحقد وكراهية.

كل الذين شاهدوا ذلك الطفل العراقي الذي كان يقف الى جانب نخلة صريعة، والذين سمعوه يقول بتصميم وحزن وكراهية وهو يلوح باصابع يده الصغيرة «كل شجرة بخمسة جنود» ادركوا سر هذه العمليات المتصاعدة التي باتت تلاحق القوات الاميركية في ذلك المثلث الملتهب من العراق المحتل.

لم يعد هناك مجال للاستغراب والتساؤل، فهذه التصرفات، التي تذكر العرب بالمجازر التي يرتكبها الجيش الاسرائيلي ضد بيارات قلقيلية وغزة ونخيل دير البلح وكروم العنب في الخليل واشجار الزيتون في قرى نابلس ورام الله، هي التي تدفع العراقيين الى المقاومة والى الثأر وليس صدام وازلام صدام، الذين سلموا رقابهم للاميركيين كالنعاج، والذين فروا من عاصمة العباسيين كالفئران المذعورة.

«كل شجرة بخمسة جنود»، هذا ما قاله ذلك الطفل العراقي المقهور الذي كان يقف الى جانب نخلة قتيلة ويراقب الجرافات وهي تهجم بانيابها المتوحشة على بساتين الرمان والبرتقال والنخيل.. انه لا يحمل صورة صدام حسين كما جرت العادة في تلك المشاهد المركبة والمفبركة والمزورة، وانه لم يهتف «بالروح بالدم نفديك ياصدام» ان الكلمات الاربع التي رددها مرارا تعكس حقداً لا حدود له.

ان المحررين لا يقتلعون الاشجار ولا يدمرون المنازل والبساتين، فهذه من المحرمات التي نهى عنها الاسلام قبل نحو الف وخمسمائة عام. وان الاميركيين اذا ارادوا ان لا يخرجوا من العراق كما خرجوا من «سايغون»، فعليهم ان يعيدوا النظر بكل ما قاموا به في البلاد منذ احتلاله العراق، وعليهم ان يغيروا اساليبهم وسياساتهم واجراءاتهم وتصرفاتهم.