...وبالدستور يخنق العراق!

TT

بات الحديث عن الدستور العراقي المنتظر، الشغل الشاغل للعالم العربي، وجدلا هنا وهناك، هل ينتهي في ستة اشهر، او في سنة؟ وكأن وضع الدستور وانتخاب حكومة من الشعب يعنيان ان العراق قادر على الوقوف على قدميه امنيا واقتصاديا وسياسيا. فالعراق مريض خضع لعملية جراحية قاسية وخطرة، ولكي يتعافى منها فهو في حاجة ماسة لفترة نقاهة، واهم ما في فترة النقاهة توافر طبيبين ذات اليمين وذات الشمال برفقة المريض، تحسبا لانتكاس الحالة. وانتكاسها يعد اخطر من اللحظات الحرجة فترة اجراء العملية.

اما الحديث عن الدستور، فهو امر محير. حيث يتوهم المتابع، خطأ، بان للدساتير قدسيتها في العالم العربي. وبالأدلة والشواهد في خمس دول عربية ذات ثقل، اكبر الضحايا الدساتير! واحترام الدستور لا يأتي عبثا، فهناك ثقافة اصيلة تنبع من تاريخ مليء بالدم والكفاح والنضال السلمي وغير السلمي، حتى وصلت تلك المجتمعات الى تقديس دساتيرها، بل انها تقبل باستمرار ما ينغص عليها اقتصاديا وسياسيا، ولاترضى بتعديل الدستور، فضلا عن تطويعه كما يحدث في عالمنا العربي!

ولذلك فمن المضحك ان ننشر لدى الرأي العام العربي ما اسمية بثقافة النفاق الدستوري، بمعنى ان يؤمنوا بكلمة الدستور، دون ان يؤمنوا باحترامه. والا لأصبح الدستور مثله مثل القومية العربية نذبح بسببها، ونتخلف باسمها، وتزف لنا المدرعات قادة بحجة حمايتها.

كما ان الخطر في الحديث عن الدستور العراقي، يكمن في اننا نسطح مشاكل العراق، ونتفه ازمته الحقيقية. العراق امة راقية، عريقة، نعم. ولكن للتو خرجت من تحت حكم جائر جاءت آخر نتائج انتخاباته بنسبة مائة في المائة. وجرى على دستوره طيلة 35 عاما ما جرى بارزاق وكرامة العراقيين انفسهم. فمن العبث ان نعتقد، بعد ذلك، ان وضع الدستور العراقي سوف يحل الازمة، ويجعل العراقيين قادرين على السير في عراقهم الجديد دون عكازين، يمثلان تدعيم امنه واستقراره لفترة مفروضة. فليت احبتنا يكفون عن جعل الدستور العراقي مسمار جحا. فها هي قطر وضعت دستورا جديدا، وخطت خطوات نحو الديموقراطية، علما انها مستقره سياسيا، توفر قواعد استراتيجية للقوات الاميركية في الدوحة، وبها اكبر مخزن للاسلحة الاميركية خارج اميركا، دون ان يهددها احد! ومثلها البحرين الدستورية، ناهيك من مطالبة الفلسطينيين بمشاركة قوات اميركية لحمايتهم من الاسرائيليين، ومطالبة الاردن بعضوية الناتو. وكذلك القوات الاميركية التي تحمي السلام بين مصر واسرائيل طوال 30 عاما. بينما العراق خرج للتو من ظلمات 35 سنة مثخنا بجراحه، ويطلبون منه ان يشترك في مسابقة العدو السريع 400 متر، والتي يسميها الرياضيون قاهرة الرجال!