عيب!

TT

هناك شيء من ضعة المنبت والخسة في جنوح أي قارئ أو كاتب الى التعرض للشؤون الشخصية لخصمه عندما تعوزه الحجة ويشعر بضعف جانبه. مثل هذا الشخص كمثل من يتسلق جدار بيته ليتفرج على ما يجري في مخدع جيرانه. في اكثر من موضع، أشار البعض في رسائلهم الى جنسيتي البريطانية وزواجي بانجليزية وحتى مقدار سني. ولو كان بامكانهم لنشروا مقاس اعضاء جسدي.

تجاهلت الأمر لحين من الزمن، فأنا لا أخجل أو أخفي حتى ادق تفاصيل حياتي الشخصية كما يخجلون ويخفون لسبب بسيط هو انني لا افعل شيئاً اعتبره مخجلاً كما يفعلون.

الظاهر ان هؤلاء السادة يعتبرون ان افكاري المناوئة للقومية والوطنية الشوفينية وتفضيلي الحكم الاجنبي على ما بيدنا في هذه الايام مما يسمونه بالحكم الوطني يعود لتلك العوامل الشخصية. التقي كل يوم بمواطنين عرب يتحرقون شوقاً للحصول على الجنسية البريطانية بأي ثمن، حتى ولو بالزواج بامرأة قبيحة سفيهة. لا الومهم على ذلك قط. فالانتماء العربي أصبح لعنة. ولكنني لم اعبأ بهذا الأمر فالانتماء والمواطنة شيء في القلوب. بقيت على جنسيتي العراقية طوال السنين العديدة من اقامتي في بريطانيا، حتى اسقطها عني صدام حسين، فتفضلت علي الملكة اليزابث وانقذتني بجنسيتها. اعاده الله عليها بالخير والثواب. المسألة بالنسبة لي لا تخرج عن موضوع ورقة اسافر بها.

ويظهر ان صدام حسين لم يمنع عني الجنسية العراقية فقط وإنما منع عني المرأة العراقية ايضاً. فرغم كل حبي لها ومحاولاتي معها، لم اجد امرأة عراقية واحدة ترضى بي زوجاً لها. فتزوجت بأجنبية لا تسأل عن المهر وما ورثته أو سأرثه من آبائي واجدادي. وهذا كان في الواقع من حسن حظ القوميين والشوفينيين. فلو انني تزوجت بعراقية لتلقوا منها الويلات في عدائها لصدام حسين ونظامه البعثي. لحسن حظهم أنها تؤيدهم بالنسبة للمسألة العراقية. فقد وقفت كمعظم الانجليز ضد الحرب وضد احتلال العراق وما زالت تطالب بسحب بلادها من العراق وتتهم توني بلير بالغش والكذب وتسخر من الادعاء بمساعدة العراق وانقاذ العراقيين من صدام.

تقول لو ان الأمر كذلك فهناك في افريقيا شعوب احق من العراقيين بالمساعدة والانقاذ ولا أحد يلتفت لهم. لم تستطع ان تؤثر عليَّ وتثنيني عن ميولي الامبريالية. ولكنها اثرت على اولادي فوقفوا مثلها وتظاهروا ضد غزو العراق. وهكذا ففي بيتي هذا لا يوجد امبريالي واحد يؤمن بوضع الأمة العربية تحت الوصاية غيري أنا.

ومع ذلك فالامبرياليون الحقيقيون هم القوميون والشوفينيون والاصوليون المتطرفون فكما كان ساسة بريطانيا يملون ارادتهم على شعوب العالم تحاول هذه الزمرة العربية ان تملي ارادتها على الشعب العراقي وتتجاهل ارادته.

العراقيون يقولون نريد قوات التحالف تبقى. وهؤلاء السادة يقولون لا. وكما كان الاستعمار يملي ارادته بالنار والحديد، فعل هؤلاء السادة بمتفجراتهم وعملياتهم الارهابية. وكما كان الاستعمار يرفد مخططاته بالدعاية والاعلام عمدوا الى الفضائيات والصحف المأجورة. الفرق الوحيد هو ان للاستعمار عضلاته وايديه الضاربة وهذه الزمرة لا تكاد تستطيع الوقوف على أقدامها. سرعان ما تكبو وتقع على الأرض كما فعلت في كل معاركها منذ الاربعينات، ولكنها تريد ان توقع معها شعب العراق.