هل تتغلب دول الاتحاد الأوروبي الشرقية على شراك التحول؟

TT

يبدو ان هناك حالة من الاختلاف الكبير في حجم الاستثمار المباشر الذي تحصل عليه دول وسط اوروبا المتحمسة وتلك المتقاعسة ممن تقدمت بطلب الانضمام للاتحاد الاوروبي.

فعملية الانضمام نفسها ساهمت في زيادة حدة هذا الاختلاف، الأمر الذي اثار تساؤلات متعلقة بسياسة الاتحاد الأوروبي تجاه المتقدمين بطلبات العضوية وانعكاسات ذلك على استقرار المنطقة في المدى الطويل، اذ ان احتمالات الانضمام تبدو مثيرة للاهتمام بالنسبة لتلك الدول التي اشتركت في السابق خلال مراحله الأولى، فيما تبدو محبطة بالنسبة لتلك التي لحقت بالركب اخيراً. يضاف الى ذلك ان المجموعة الاخيرة تواجه صعوبة الاختيار بين حالها مع الاتحاد الأوروبي على المدى الطويل وحتميات فترة التحول الفورية، وهما حالتان ليستا دائماً في توافق.

فالاستثمار الخارجي المباشر يعد عنصراً مهماً للغاية في تحريك معدل النمو والتنمية في وسط وشرق أوروبا. اذ انه بالاضافة الى سماحه للدول بدفع مستوى الاستثمار الى حد يفوق المدخرات، فإنه يمكن المستثمرين الأجانب من المشاركة بشكل بارز في واحد من أهم عناصر عملية التحول ألا وهو اعادة بناء المؤسسات.

وهذا الاستثمار الخارجي المباشر المتدفق نحو دول وسط وشرق اوروبا تضاعف بشكل حاد منذ عام 1994، ليصل الى مستويات عالية الى حد ما بالنسبة للمقاييس الدولية، حيث بلغت هذه الاستثمارات في عام 1997 قرابة 18.5 مليار دولار اميركي، أو ما يعادل 4 في المائة من حجم الاستثمار الخارجي المباشر على مستوى العالم وما يعادل 10.7 في المائة من اجمالي الاستثمارات في الدول النامية. على ان هذه الاستثمارات التي ضختها دول الاتحاد الاوروبي تركزت في الدول التي كانت سباقة في طلب الانضمام للاتحاد. حيث تغلبت حصة بولندا على ما حصلت عليه البرتغال وايرلندا، ولنفس المستوى وصلت الاستثمارات المخصصة للمجر (هنغاريا)، لكن حصص بلغاريا ورومانيا ما تزال ضئيلة.

وتشير الاحصائيات المتوفرة الى ان جمهوريات التشيك والمجر وبولندا وسلوفاكيا حصلت معاً على أكثر من 60 في المائة من حجم الاستثمارات الخارجية المباشرة التي يوفرها الاتحاد الاوروبي، سنوياً منذ عام 1991، مع انخفاض بسيط خلال العامين الاخيرين. وفي المقابل حصلت بلغاريا ورومانيا على أقل من 10 في المائة خلال فترة التحول أو الفترة الانتقالية الماضية.

تأثير الاتحاد الأوروبي تشير دراسة أعدها مركز الاسواق الجديدة والمتوقعة التابع لكلية لندن للدراسات التجارية، الى ان اموال الاستثمار الأوروبي الخارجي التي تدفقت لوسط وشرق أوروبا ظلت محكومة بعدة عوامل، أهمها الجغرافيا الاقتصادية (حيث توضح الاشكال المبكرة لهذه الاستثمارات ان الحصة الاكبر من هذا الاستثمار الذي تقدمه المانيا تذهب لجمهوريات التشيك والمجر وبولندا وسلوفاكيا); اضافة الى تكلفة العمالة المنخفضة ومدى حجم السوق، ومعدل الاقتراض في الدولة المضيفة. وفي المقابل، يبدو ان معدل الاقتراض في الدولة المضيفة تأثر بشكل ايجابي بعوامل اساسية ذات طبيعة اقتصادية (كالميزان الحكومي والاحتياطات) والعوامل ذات العلاقة بالتحول الاقتصادي (كالقطاع الخاص والتنمية الصناعية). كما تأثر بشكل سلبي بمستويات الفساد في الدول المعنية.

لكن الأهم من ذلك، هو ان هذه الدراسة تشير الى ان البيانات المعلنة والمتعلقة بالانضمام للاتحاد الأوروبي اثرت سلباً على تدفقات الاستثمار الخارجي المباشر للدول المعنية، واثرت بشكل غير مباشر على مستويات الاقراض في هذه الدول:

* فهذه البيانات السياسية المتعلقة بجداول مواعيد الانضمام للاتحاد الأوروبي، يمكن ان ترفع مستويات الاستثمار وتولد حركة طبيعية للاقتصاد، وقد ادى ارتفاع مستويات الاستثمار الى تحسين الاداء الاقتصادي بالنسبة للدول التي لحقت بدرب الانضمام مبكراً، والتي تتوفر لديها معدلات اقراض متطورة وتمكنت على اثر ذلك من استقطاب المزيد من الاستثمارات.

لكن بلغاريا ورومانيا، وعلى العكس من الدول التي سبقتهما، واللتين تبدوان مستبعدتين من الاتحاد الاوروبي لبعض الوقت بسبب التقدم البطيء نسبياً في عملية التحول، ستحصلان على مستويات ادنى من الاستثمارات، الامر الذي سيؤدي في المقابل الى التأثير سلباً على امكانيات انضمامهما في المستقبل القريب.

ووفقاً لهذا السيناريو، يبدو على الأرجح ان الاستثمار الخارجي المباشر سيتمركز بدرجة اضافية في الدول التي سعت مبكراً للانضمام للاتحاد الأوروبي. وهذا في المقابل، قد يؤدي على الأرجح الى زيادة الفوارق في متوسط دخل الفرد بدول المنطقة، الامر الذي قد يؤدي إلى عملية استبعاد محتمل من الاتحاد الأوروبي. وموقف الدول التي تأخرت في عملية الانضمام قد يزداد سوءاً ويؤثر على المرشحين المحتمل انضمامهم مبكراً، الأمر الذي قد تكون له عواقب وخيمة محتملة.

تأثير برامج الإصلاح هناك خطر اضافي من أنه، وعندما تدرك الدول التي تقدمت بطلب الانضمام للاتحاد الأوروبي، ان فرصها محدودة في تلبية طلبها عاجلاً، فإنها قد تعاني من تراجع الارادة السياسية والتأييد الشعبي. وفي هذه الحالة، سيتعذر بشكل اكبر استخدام مشروع الانضمام للاتحاد الاوروبي كمبرر للاجراءات التي لا تحظى بقبول واسع ويتم تنفيذها خلال مرحلة التحول. وهناك بعض الادلة على هذا الوضع في بلغاريا ورومانيا، اللتين واجهت حكومتاهما صعوبة في حشد التأييد السياسي لعملية الإصلاح.

ففي رومانيا ادت الانتخابات العامة والرئاسية التي انعقدت يومي 26 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي و 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي الى تلقي الاصلاحيين لضربات موجعة، والى تحقيق تيار اليمين المتشدد لمكاسب بارزة، وهو التيار الذي استفاد من عدم ارتباطه بعملية الاصلاح.

وتشير دراسة اخرى للمركز المذكور آنفاً الى ان تراجع التأييد المطلوب لعملية الاصلاح قد يكون مرتبطاً بدرجة رئيسية بتدفق اموال الاستثمار الخارجي المباشر للاتحاد الاوروبي، فقد اثرت التطورات المؤسسية العامة خلال مرحلة التحول بشكل ايجابي على تدفق الأموال. وبالتالي، فإن افتقار برنامج الاصلاح لقوة الدفع قد يلحق ضرراً بمستقبلي الاستثمارات وقد يؤدي ايضاً الى احداث حركة سلبية في الاقتصاد، حيث يؤدي انخفاض الاستثمارات الى تراجع الاصلاح وبالتالي التقليل من كمية الاستثمارات المتوقعة.

مخاطر فرض الشروط وبالاضافة الى ما ذكر آنفاً، وعلى الرغم من ان العديد من السياسات المطلوبة للوفاء بالشروط اللازمة لعضوية الاتحاد الاوروبي، مطلوبة ايضاً لاجتياز مرحلة ما بعد الشيوعية بنجاح، فإن البرنامجين ليسا متطابقين، وللتحديد فإن الجداول الزمنية المتعلقة بما قبل الانضمام قد لا تكون اختيارية بالنسبة للاصلاح الاقتصادي بوجه عام والمطلوب من الدول التي تأخرت في طلب الانضمام. والعديد من الاصلاحات المؤسسية المحددة والمطلوبة للانضمام للاتحاد الأوروبي اثرت بشكل ايجابي على مستقبلي الاستثمار الخارجي المباشر، لكن بعض اجراءات الاصلاح الرئيسية، لم تحقق اثراً يذكر، بل انها في اسوأ الحالات ادت الى التقليل من حجم الاستثمارات الاوروبية. فعلى سبيل المثال، لم يحدث برنامج تطوير اسواق المال ومؤسسات القطاع المالي غير المصرفي، وفقا لمواصفات الاتحاد الاوروبي، اي اثر ايجابي في ما يتعلق بالاستثمار الخارجي المباشر، كما لم يحدث برنامج تطوير وتنفيذ سياسة التنافس وفقاً لمتطلبات الاتحاد الاوروبي، اي اثر ايجابي على الاستثمار ايضاً. وفي الواقع، ربما يكون قد احبط هذه الاستثمارات، كما ان برنامج الاستثمار وسياسة التنافس ربما يكونان احيانا قد تسببا في مواجهة مع مجلس التعاون الاقتصادي الأوروبي.

وهذا الوضع كانت له انعكاسات واضحة بالنسبة لبلغاريا ورومانيا. فبالنظر الى ان البلدين قد لا يتمكنان على الأرجح من الانضمام للاتحاد الاوروبي خلال الاعوام العشرة أو الخمسة عشر المقبلة، فإن بعض اجراءات التحضير للانضمام قد تكون عبارة عن ترف لا يمكن ان تتحمله هذه الدول في الوقت الحالي، وقد لا يكون بمقدور هذه الدول ان تختار بذل جهود آنية لتلبية الشروط الاوروبية وللمواءمة بين سياساتها وسياسات الاتحاد الأوروبي الموضوعة للدول التي حققت تقدماً في مجال اقتصاديات السوق، ولو ان هذا سيعيق تنفيذ سياسات اكثر آنية متعلقة بتحقيق تقدم يذكر في مجال النمو الاقتصادي وتدفق اموال الاستثمار الخارجي المباشر، في سياق مرحلة التحول.

حقوق النشر باللغة العربية خاصة بـ «الشرق الأوسط».