الرأي العام الأميركي والصراع العربي ـ الإسرائيلي

TT

بالرغم من جهود العلاقات العامة الاسرائيلية لاحتواء الجوانب السلبية لأزمتها الحالية مع الفلسطينيين، فإن الرأي العام الاميركي مستمر في تأييده لتعامل متوازن لحل مشكلة الصراع في الشرق الاوسط. ذلك الرأي هو جوهر نتيجة استطلاع لحساب تلفزيون ابوظبي والمعهد العربي الاميركي في واشنطن واجرته مؤسسة «زغبي انترناشونال» في نيويورك. وبلغ حجم العينة 1012 شخصا تم اختيارهم بطريقة عشوائية من الناخبين الاميركيين في الفترة من 18 الى 21 ديسمبر (كانون الاول) من العام الماضي. وهامش الخطأ يتراوح بين 3.2% بالناقص أو الزائد.

والنتائج الاساسية للاستطلاع هي ان اغلبية الاميركيين:

* يؤيدون دولة فلسطينية بنسبة 63.5 الى 15%.

* يوافقون على عدم نقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس بنسبة 57 ضد 23.5%.

* يريدون من الرئيس المنتخب جورج بوش السير في طريق معتدل للسعي من اجل السلام في الشرق الاوسط، بنسبة 71.5 ضد 17% يريدون من بوش مفاضلة احد اطراف النزاع.

* يريدون من الرئيس المنتخب بوش الضغط على اسرائيل والفلسطينيين بنفس الدرجة في محاولة للتوصل لاتفاقية سلام.

ويوضح الاستطلاع ان العديد من الاميركيين يتعاطفون مع دولة اسرائيل. فعلى سبيل المثال عندما طرح سؤال «مع من يتعاطفون»، أكد 30% تعاطفهم مع اسرائيل، بينما اوضح 11% تعاطفهم مع الفلسطينيين. وقال 22% انهم يتعاطفون مع الطرفين، و29% لا يتعاطفون مع اي من الطرفين. الا ان تلك الارقام تمثل حركة منتظمة نحو توازن الاتجاهات الاميركية نحو الصراع العربي ـ الاسرائيلي. فعلى سبيل المثال كشف استطلاع اجرته مؤسسة غالوب الاميركية في وسط احداث ازمتين فلسطينية ـ اسرائيلية (خلال الغزو الاسرائيلي للبنان عام 1982، وفي عام 1988 في بداية الانتفاضة الفلسلطنية) ان اكثر من 40% من الاميركيين يبدون تعاطفا اكبر تجاه اسرائيل. ويعني ذلك انخفاضا في الدعم لاسرائيل منذ التسينات والسبعينات عندما ابدى اكثر من 60% من الاميركيين تعاطفهم مع اسرائيل. واليوم انخفض الرقم الى 30%.

ويتبين هذا الاتجاه نحو التوازن في التقييم في ما يتعلق بالعنف الحالي في الشرق الاوسط. ففي سؤال حول من المسؤول عن العنف الحالي، اوضح 6.5% انها اسرائيل، و14.5% فلسطين. بينما حمل 61% الطرفين مسؤولية العنف.

كما ينقسم الناخب الاميركي في ما يتعلق بما اذا كانت اسرائيل مذنبة ام غير مذنبة باستخدام القوة الزائدة ضد الانتفاضة الفلسطينية، اجاب 32% ان اسرائيل مذنبة باستخدام القوة الزائدة. بينما ذكر 25.5% ان القوة المستخدمة «مناسبة» بينما ذكر 12% انها لم تكن كافية. الامر الواضح هنا هو ان إسرائيل تحتفظ ببعض التأييد التي حصلت عليه على مدى السنين، وإن الاميركيين اصبحوا اكثر توازنا في فهمهم. ففي استطلاع لحساب تلفزيون ابوظبي و«زغبي انترناشونال» اكتشفنا ان هذا الاحساس المتزايد بالتوازن امتد للطريقة التي ينظر بها الاميركيون الى حل الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، مع اغلبية عالية تؤيد فكرة دولة فلسطينية وحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة. فقد اكتشفنا، على سبيل المثال، ان الاميركيين، بنسبة اثنين الى واحد، يفضلون حلا لوضع القدس يضع في الاعتبار تقسيم او مشاركة المدينة. وهذا التأييد لسياسة متوازنة او «مشاركة» في ما يتعلق بالقدس استمرت في الحصول على مزيد من الدعم.

اما الاستطلاع الاخير، فقد كشف ان تلك الاتجاهات مستمرة في الاحتفاظ بوضعها. ففي سؤال للعينة التي اجري عليها الاستطلاع عما اذا كانوا يتفقون مع تعهد الرئيس المنتخب بوش بـ«بدء عملية نقل السفارة الاميريكية من تل ابيب الى القدس، او مع موقف الرئيس الاميركي بيل كلينتون الذي ذكر «لا يجب اتخاذ اي موقف اميركي في ما يتعلق بالسفارة الى ان يتفق الفلسطينيون والاسرائيليون على الوضع النهائي للمدينة»، اجاب 57% انهم يتفقون مع رأي الرئيس كلينتون، بينما اتفق 23.5% مع موقف حملة بوش.

ويمكن ملاحظة تطور مماثل في دعم الرأي العام الاميركي للدولة الفلسطينية. فعندما تم سؤال العينة عما اذا كان يجب وجود دولة فلسطينية، اجاب 63.5% بالايجاب. بينما رفض 15% فقط هذا الاقتراح.

واخيرا عندما طُلب من العينة وصف اسلوب كلينتون في السعي من اجل السلام في الشرق الاوسط، اجاب 29.5% انهم شعروا ان الرئيس الاميركي اكثر ميلا لتأييد اسرائيل، وذكر 5% ان كلينتون يميل للجانب الفلسطيني، بينما وصف 50.5% سياسة كلينتون بأنها «تتخذ طريقا وسطا». وعندما تم سؤال نفس العينة عن الطريقة التي يجب على الرئيس المنتخب جورج بوش الابن اتباعها، اجاب 15.5% فقط بأن عليه تأييد اسرائيل. وذكر 1.5% ان عليه تفضيل الفلسطينيين، الا ان 71.5% قالوا ان على الرئيس الجديد اتباع سياسة لا تؤيد طرفا على حساب الاخر. وتوضح النقطة الاخيرة الحركة المتزايدة وسط الرأي العام الاميركي دعما لسياسة اكثر توازنا في الشرق الاوسط. وتكشف مراجعة الاستطلاعات ان التأييد للطريق المعتدل قد ارتفع من 56% في عام 1997 الى 71.5% في الوقت الراهن.

الانقسام الحزبي واحدة من الملاحظات الهامة التي اظهرها الاستطلاع الحالي هي الانقسام الحربي التي اتسم به النقاش الحالي حول السلام في الشرق الاوسط في الولايات المتحدة. فقد كشف الرد على كل الاسئلة تقريبا عن فارق يتراوح بين 10 و 20% بين موقف الديمقراطيين والجمهوريين، او بين هؤلاء الذين يصفون انفسهم بالليبراليين والمحافظين. وفي كل مثال فإن الموقف السلبي ضد العرب او ضد الفلسطينيين الذي تبناه الجمهوريون او المحافظون هو نتاج للمد الديني القوي.

فعلى سبيل المثال، بينما يؤيد كل من الديمقراطيين والجمهوريين دولة فلسطينية مستقلة، فإن الديمقراطيين يؤيدون ذلك بهامش 69.5 الى 10% بينما هامش الجمهوريين هو 58 الى 20.5%.

وفي ما يتعلق بموضوع «استخدام القوة» شعر 39.5% من الديمقراطيين ان اسرائيل تستخدم قوة زائدة، بينما ذكر 26% من الجمهوريين فقط هذا الرأي.

واظهر الجمهوريون تعاطفا متزايدا مع اسرائيل، فقد ذكر 39.5% انهم يفضلون اسرائيل و 9.5% يؤيدون الفلسطينيين. ومن ناحية اخرى فإن الفارق بين المتعاطفين مع اسرائيل والفلسطينيين بين الديمقراطيين هو 24.5 و12%. وبين هؤلاء الذين يصفون انفسهم بالليبرالية فإن الفارق اضيق لا يزيد عن 22% يؤيدون اسرائيل و15% يؤيدون الفلسطينيين. وبالنسبة للمحافظين المتدينين فإن الهامش كبير للغاية 48.5% يؤيدون اسرائيل و15% فقط يؤيدون الفلسطينيين.

المحصلة لا يزال أمامنا بعض الوقت لمعرفة ما اذا كان كلينتون سينجح في مسعاه بخصوص اتفاقية سلام اسرائيلية ـ فلسطينية خلال الفترة القصيرة المتبقية من رئاسته.

الا ان الامر الذي اوضحه الاستطلاع الحالي هو تعامل الفلسطينيين مع الادارة الاميركية القادمة، وقضيتهم اكثر فهما بالنسبة للرأي العام الاميركي. ومن الواضح ان الرأي العام الاميركي اصبح، اليوم، اكثر رغبة من قبل في التوصل الى سياسة اميركية متوازنة تجاه الصراع في الشرق الاوسط.

هذا الواقع الجديد هو نتاج لانجازات الحقبة الماضية، ولكنها في حاجة للعمل من اجلها او الاستفادة منها، اذا كنا نرغب في اعتبارها انجازا ذا معنى.

* رئيس المعهد العربي ـ الأميركي