النفاق الاجتماعي

TT

تواجه مصلحة البريد البريطانية أزمة خانقة هذه الأيام، والسبب يعود الى عطلة نهاية السنة. حيث يرغب الكثير من الموظفين في تمضية فترة الأعياد بين أهلهم، وذويهم، بعيدا عن صخب المدينة، وضجيج السيارات، والقطارات، وضوضاء الشوارع. هذا في ذات الوقت الذي يبلغ العمل ذروته في هذه الأيام، إذ أن هذا الوقت هو موسم التراسل، وتبادل التهاني، والهدايا، وبطاقات المعايدة والتعبير عن المشاعر الشخصية، والأماني الطيبة. ولمواجهة هجمة نهاية السنة استخدمت المصلحة خدمتها البريدية لدعوة الراغبين في عمل مؤقت في هذا الموسم، وأمعنت في إغراء الراغبين بتقديم تسهيلات عمل، ومكافآت مجزية، وذلك بعد أن تفاقمت الأزمة بسبب الخلل في حركة سير القطارات. الأمر الذي دعا المصلحة الى الاعلان رسميا عن عجزها عن الوفاء بواجباتها، قائلة ان الظروف تحد من قدرتها على الإلتزام بإيصال الرسائل البريدية في موعدها.

الجانب العربي من القضية يتمثل في بطاقات المعايدة التي يحملها إليك البريد في كل مناسبة، إذ يبدأ سيل التهاني ينهال عليك في الأسبوع الأخير من شهر شعبان، ويستمر حتى نهاية السنة الهجرية في ذي الحجة، ويبدأ بالتهنئة بحلول الشهر الكريم، ومن ثم عيد الفطر السعيد، وبعده تأتيك بطاقات التهنئة بعيد الأضحى المبارك، وتختتم بمباركة حلول العام الهجري الجديد. وأغلب البطاقات تحمل عبارات تقليدية، وبعضها يتفنن أصحابها في انتقاء العبارات المنمقة، واختيار الكلمات المعبرة عن مشاعر ليست بالضرورة حقيقية. المهم مسايرة الركب، والظهور أمام المجتمع بألوان جميلة، وزخرفة أنيقة، وصور وأشكال تتناسب مع المناسبة. وفي ظل هذا النفاق الاجتماعي من حق مصالح البريد في الوطن العربي علينا أن نشفق عليها من سيل التهاني التي تتولى إيصالها، دون أن تشكو، أو تتذمر، ولا تجد وسيلة للشكوى من الضغط الواقع عليها، رغم أنه أربعة أضعاف ما تواجهه نظيرتها البريطانية.

والسبب في ذلك بسيط جدا.. إذ أن وصول الرسائل البريدية من عدمه في العالم العربي مسألة ليست محل بحث. ومثلما هو مصير الإنسان، وكافة تفاصيل حياته مسألة حكومية بحتة، فإن من الطبيعي أن تقرر متى توصل رسائله إليه. وكل عام وأنتم بخير.