مطلوب مكافحة جادة لازدياد القرصنة في أعالي البحار

TT

شهدت السنوات الأخيرة عودة ضاربة للقرصنة القديمة في أعالي البحار، وبخاصة في جنوب أفريقيا. وتفضي هذه القضية إلى أعوص العواقب التجارية في المنطقة، مما يزيد المطالبات بتكثيف الجهود من كل الأطراف المعنية لمكافحة هذه الظاهرة، وبخاصة الولايات المتحدة.

واستناداً إلى تقرير مكتب الملاحة البحرية الدولي، وهو فرع من غرفة التجارة الدولية، ازدادت هجمات القراصنة بنسبة تزيد على 63% في أرجاء العالم خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2000، وتركز ثلثا الهجمات في المياه الآسيوية، وكان معظم ذلك على الخطوط البحرية الاندونيسية. والواقع ان عدد غارات القراصنة في المياه الاندونيسية يفوق، بحد ذاته، سائر الغارات في الشرق الأوسط وافريقيا واميركا اللاتينية مجتمعة.

ولما كان 90% من التجارة العالمية يتحقق عن طريق البحر، و33% من اجمالي الشحن البحري يمر بمياه جنوب شرق آسيا، فإن ظـاهرة اتساع القرصنة تشكل تحدياً اقتصادياً وأمنياً كبيراً سواء للتجارة الآسيوية أو للتجارة العالمية.

وهناك 600 سفينة، بينها كثرة من ناقلات النفط، والعديد من سفن الشحن، تمر عبر مضائق مالقا وبحر الصين الجنوبي، لكن هذه البقعة بالذات تحولت الى منطقة صيد لقراصنة اليوم. ان الشحن البحري سوق يتسم بحدة المنافسة، لذلك يرفض مالكو السفن وقباطنتها الابلاغ عن الهجمات، خشية ان ترفع اسعار التأمين، وتدهور سمعة شركاتهم كجهات لا يعتمد عليها في النقل، ونتيجة لذلك تمر غارات عديدة للقراصنة من دون تسجيل، ورغم صعوبة بلورة أي تقدير دقيق، فهناك اعتقاد بأن الخسائر المالية من جرائم البحار هذه تناهز 16 مليار دولار سنوياً.

لقد جاءت الأزمة المالية الآسيوية لتجعل من الصعب على أمم جنوب آسيا مكافحة القرصنة. فانخفاض قيمة العملات المحلية، وتقليص ميزانيات الدفاع، أديا الى تخفيض الدوريات البحرية. ونتيجة لذلك ازدادت أعمال القرصنة في تايلاند والفلبين وفيتنام وبورما.

أما الوضع في اندونيسيا فهو الأسوأ، نظراً لتخفيض الانفاق العسكري بنسبة 65% وتقليص القوات البحرية الضعيفة العدد الآن بسبب انتشارها على رقعة واسعة، كما بسبب القلاقل الطائفية والاثنية في مولوكاس دايريان وجايا وآكه.

وبالطبع فإن تفاقم الفقر، واتساع البطالة جاءا ليمعنا في تشجيع القرصنة كمورد مغرٍ للتكسب عند اعداد متزايدة من سكان جنوب آسيا. ويتراوح القراصنة في المنطقة من صيادين الى مجرمين عاديين، الى افراد عصابات جريمة اسيوية منظمة على غرار السنديكات.

وهناك عامل مساعد آخر، يتمثل في فساد ضباط خفر السواحل، ذوي الرواتب الهزيلة، بل وفساد عمال الموانئ والأرصفة أيضاً، ويبدو القراصنة حسني الاطلاع على تحركات السفن ومحتويات الشحن، وتبدو قوى الأمن البحري خائبة ومفككة ازاء دقة انضباط وتماسك ومعلومات عصابات القرصنة التي تعتمد على شبكة اتصالات لاسلكية ومخبرين، علاوة على قوارب آلية سريعة وأسلحة أوتوماتيكية حديثة لشن الغارات، والهرب بسهولة في قوارب تختفي وسط مئات السفن الصغيرة المبحرة في مياه جنوب شرق آسيا.

ويتفاقم عنف القراصنة رغم أن قلة قليلة منهم تقع بيد الشرطة لتحال الى القضاء فالسجن. ويقول مكتب الملاحة البحرية الدولي ان سائر الذين قتلوا على يد القراصنة، سقطوا في جنوب شرق آسيا، عدا 67 قتيلا، في عام 1998.

وهناك بلدان عديدة في المنطقة لا تريد ملاحقة القراصنة قضائياً داخل مياهها الاقليمية على جرائم ارتكبها هؤلاء داخل مياه اقليمية لبلد آخر. وهذا جزء من سياسة عدم التدخل السارية في رابطة بلدان جنوب آسيا، الأمر الذي يعيق تنسيق الجهود وتوحيدها لدرء هذا الخطر، وتفضل أغلب الدول طرد القراصنة بدل القبض عليهم.

ومن الأفضل لدول رابطة جنوب آسيا جميعاً ان توقع على الميثاق الدولي (لعام 1988) الخاص بمكافحة الاعمال غير القانونية التي تمس سلامة الملاحة البحرية.

ان المصادقة على هذا الميثاق هي واحدة من سبل تقديم العون لمركز دول آسيان لمكافحة الجرائم الاقليمية، حتى يتسنى له أن يبلور اجراءات ملموسة لمحاربة القراصنة. يضاف الى ذلك، ان بمقدور الولايات المتحدة ان تمد يد العون في هذا الباب بأن تدرب قوى الأمن البحري في بلدان جنوب آسيا على أفضل التدابير لضرب القراصنة وأحسن السبل لتنفيذها.

ان مثل هذا العون الاميركي سيشكل رسالة واضحة لجنوب شرق آسيا تقول ان الولايات المتحدة ملزمة بأمن المنطقة وازدهارها الاقتصادي.

* المؤلف هو مساعد المدير العام للعلاقات الدولية في «مؤسسة آسيا». وأراؤه الواردة هنا تعبر عن وجهة نظره الشخصية.

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» ـ (خاص بـ «الشرق الأوسط»).