عرب يرسمون أشكالا محددة للعنصرية

TT

كتبت مؤخرا، معبرة عن خيبة أملي في أن كثيرا من العرب المقيمين في نيويورك، يعبرون عن توجهات عنصرية صريحة وخاصة ضد السود. وقلت إنه بعد هجمات 11 سبتمبر، ونتيجة لما واجهه العرب من حملات الاضطهاد والاعتقالات وما تعرضوا له من مستويات مخيفة من التمييز في هذه البلاد، فإن عليهم أن يدركوا مدى التدمير الذي يمكن أن تجلبه العنصرية، وأن يكونوا آخر المجموعات التي يمكن أن تقوم بمثل هذه الممارسات المشينة. وقلت ايضا إن هذا النوع من العنصرية موجود بالعالم العربي، ولكنه إما يقابل بتجاهل كلي أو صمت مطبق.

لقد استجاب لمقالتي تلك، عدد كبير كان من القراء، كانوا على درجة كبيرة من التعاطف، جعلتهم يخصصون وقتا ثمينا ليكتبوا لي ويشاركونني آراءهم. ويستحق ما عبروا عنه من آراء انطوت على أهمية وجدية، أن يناقش، وهذا ما قررت أن أفعله.

سأبدأ برسالة أثارت مشاعري أكثر من الرسائل الاخرى، وقد بعث بها مهندس مصري قال إنه نوبي. خبر العنصرية منذ أيام الدراسة، على الرغم من نفي العديد من المصريين لوجود هذه الظاهرة في بلادهم. جاء في رسالة المهندس:

«للاسف الشديد، عندما التحقت بالمدرسة الوسطى قبل عشرين سنة، عرفت أن هناك شيئا يسمى العنصرية من أشخاص كان من المفترض أن يكونوا معلمين».

وأقول لأخي المصري، إنني أعتذر مليون مرة للألم الذي تجرعته أنت وأخوك، في طفولتكما، على ايدي أفراد ما كان ينبغي أن يسمح لهم مطلقا بممارسة مهنة التدريس. وعندما كتبت مقالتي كان في ذهني تحديدا هذه التجارب المؤذية التي تفطر القلب، والتي تعرضتما لها.

وكتبت قارئة عراقية تقيم بلندن: إن العنصرية مشكلة توجد بين الأقليات الإثنية. وقالت إنها تذكر التمييز العنصري الذي تعرضت له من السود الذين اعتبروها هندية. أما العرب فقالت أنهم عنصريون، لأن خبرتهم في الاختلاط بالآخرين والتعايش معهم محدودة جدا، وهي نقطة وجيهة. وأضافت تقول ان العرب معروفون بكرمهم ولكنهم بعيدون تماما عن احترام اساليب حياة الآخرين. وهو أمر أوافق عليه دون شك. وقالت إنها تذكر عندما كانت تدرس بسوريا، أن الفتيات الصوماليات، من الاسر المهاجرة، كن يتعرضن للتمييز بسبب لون بشراتهن. وتثير هذه القارئة قضية التمييز العنصري ضد اليهود في العالم العربي وتقول:

«هل لاحظت في المسلسلات المصرية أن تاجر المخدرات يتضح دائما أنه يهودي؟».

وأنا سعيدة جدا لإثارتها هذه القضية. فكون المرء عربيا أو مسلما، لا يعني أن يكون كارها أو كارهة لليهود. ومنذ فترة طويلة جدا، أنزلق الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، بسهولة شديدة، ليصبح كراهية لكل ما يمت لليهود بصلة. هذا النوع من الكراهية خاطئ. إنه ببساطة خطأ. فللفلسطينيين حقوق مشروعة يجب الاستماع إليها والدفاع عنها بقوة، ولكن الكراهية العمياء تعرقل الاعتراف بهذه الحقوق.

وقالت القارئة العراقية: «قبل أن نهاجم الأمم الأخرى، هناك أسئلة كثيرة علينا أن نجيب عليها. واشعر في كثير من الأحيان أن داخل كل منا دكتاتورا صغيرا».

إنني أعبر هنا عن شكري العميق لهذه القارئة التي تستحق ملاحظاتها النيرة مقالة بحالها. وكم كنت أتمنى لو أن أفكارها هذه منتشرة وسط عدد أكبر من الناس في عالمنا العربي.

وجاءت رسالة مؤثرة أخرى من قارئ كردي، كتب يذكرني بالعنصرية التي ادت إلى قتل الأكراد بالأسلحة الكيماوية. وما حدث للأكراد هو كابوس أنفلتت فيه العنصرية من كل عقال. انني أتفق مع قوله، إن العنصرية ليست محصورة في مجموعات بعينها. وأنه ليس صحيحا أن كل الأميركيين البيض عنصريون في تعاملهم مع العرب أو العكس. وبصرف النظر عمن يكون العنصري، فإن الخطوة الهامة هي الاعتراف بها وفضحها والحوار حولها، إذا كنا راغبين فعلا في التطهر من هذا العار.

كتب قارئ آخر قائلا، ان عنصرية العرب ازاء السود في الولايات المتحدة جاءت بسبب الطريقة التي يصور بها السود في وسائل الإعلام الاميركية. وفيما يمكن القول انني اتفهم هذه النقطة، يجب ان أضيف ايضا، ان العرب اذا كانوا يعتقدون في صحة الصور النمطية التي تروج حول السود، والتي تصورهم كمجرمين وتجار مخدرات، يجب إذاً ألا يلوموا الاميركيين على الصور النمطية التي يروجونها عن العرب كإرهابيين وشيوخ مغرمين بالنساء.

وبما ان العرب عرضة للظهور وفق هذه الصور النمطية، فعليهم ان يتحلوا إذاً بالحذر ازاء الافتراضات والصور غير الصحيحة التي يجري ترويجها حول الاقليات الاخرى.

وبعث لي كاتب آخر، برسالة بريد الكتروني طويلة، لا اعتبرها سوى محاضرة طويلة حول اخلاقيات صداقة المرأة للرجال، وان لا وجود لصداقة بين الرجال والنساء خصوصا في الغرب، وكيف انني اقدم نموذجا سيئا للنساء المصريات.

لدي شيئان اود قولهما لهذا الشخص، وهما، أولا من المثير للاهتمام ان يأتي على ذكر أحد صديقين ذكرتهما في عمودي الصحافي، أي ماركوس، وهو اميركي اسود، فيما لم يذكر شيئا حول صديقي الفلسطيني الذي ذكرته بعد الحادثة التي كان طرفا فيها سائق سيارة اجرة مصري.

فهل يقصد انه لا غبار على اتخاذ صديق عربي، وان المشكلة تكمن في اتخاذ صديق اميركي اسود؟

ثانيا، لا اعرف ما اذا اعتاد هذا الشخص ان يكتب الى كتاب الأعمدة الصحافية الرجال، ردا على ذكر أسماء صديقات لهم في مقالاتهم. فهل تكتب لهؤلاء لإبلاغهم انه من الخطأ ان يتخذ الشخص صديقا من الجنس الآخر؟

بعد بضعة ايام من نشر مقالي، كتب زميل في صحيفة «الشرق الأوسط» مقالا يطلب فيه من النساء، اللواتي يرتدين الحجاب، إبلاغه بقواعد الاخلاق الجديدة، وقال ان عدد النساء اللواتي كن يرتدين الحجاب عندما كان شابا اقل بكثير من عدد من يرتدينه الآن، وقال ايضا انه يريد ان يعرف كيفية التعامل مع الجيل الجديد من المحجبات.

وصف الكاتب رحلة له بالسيارة مع صديقة له كانت ترتدي الحجاب، وطلب منها توضيح القواعد الاخلاقية الجديدة، وسألها ما اذا كان مقبولا تقبيل ا مرأة ترتدي الحجاب.

وهنا اود ان اسأل القارئ المصري، ما اذا كان قد وجه خطابا لكاتب هذا المقال وألقى عليه محاضرة مماثلة للمحاضرة التي تضمنتها رسالة البريد الالكتروني التي بعثها لي.

* كاتبة مصرية