للحالمين بسقوط بوش (2 ـ 2)

TT

الايرانيون، كما اسلفت امس، ظنوا الشيء نفسه، قبل الفلسطينيين. اعلنوا عن فرحهم بهزيمة جيمي كارتر في انتخابات الرئاسة الاميركية، وترحيبهم بمقدم ريغان، واطلقوا سراح كل موظفي السفارة الاميركية الرهائن. ريغان لم يرسل خطاب شكر بل استقبل المفرج عنهم متوعدا بأنه لن يسامح الايرانيين على ما فعلوه، وبالفعل عاشت طهران معزولة ومحاصرة، ولسياسة ريغان تحديدا الدور الكبير في الوضع المتوتر القائم حتى اليوم.

بنفس العقلية حاول الرئيس المخلوع صدام ان يتقرب من كلينتون، فور فوزه، ظنا منه انه رئيس خصم لجورج بوش الذي وضع صورته كممسحة للاحذية على مدخل فندق الرشيد. كلينتون الخلف ساند الرئيس السلف وشن حربا جديدة وضيق العقوبات ايضا.

لهذا ارى بناء خاطئا في تفكير الذين يطالعون بورصة الاستبيانات، او الانتخابات لاحقا، معتقدين ان الرئيس اللاحق سيأخذ موقفا مغايرا. وذلك ليس صحيحا، او على الاقل ليس مؤكدا، وفي احايين تأتي النتيجة اسوأ من سابقتها، والتاريخ يدعم هذا الطرح. ولي ان اذكر بما قاله الكتاب العرب الذين اسهبوا في الحديث عن عدد الاميركيين اليهود في البيت الابيض في عهد كلينتون، ووصفوه بانه اسوأ عهد تمييز ضدهم وعلامة تأييد لاسرائيل فاضحة. وعندما فاز بوش هللوا له واحصوا عدد اليهود في داخل البيت الابيض فوجدوه واحدا. ما هي النتيجة؟ التاريخ اثبت ان كلينتون كان اكثر الرؤساء الاميركيين انصافا في حق الفلسطينيين. استقبل عرفات في بيته الرئاسي نحو 13 مرة، وهو ما لم يحظ به رؤساء وزراء اسرائيل انفسهم، وزاره في بيته في غزة، وتحمل مع زوجته اذى الصحافة الاميركية الناقدة، وافتتح معه المطار رغما عن اعتراض الاسرائيليين، ودفع باراك الى القبول بمشروع اعادة كل الاراضي المحتلة، الا اربعة في المائة، وعوض عرفات عنها بما يعادلها من المواقع الاسرائيلية، وازالة المستعمرات، وعرض كلينتون حلولا كبيرة للاجئين، بما اصطلح عليه بلم الشمل ودعم بفكرة التعويضات الدولية، وفوق هذا رد القدس المحتلة. لكن، سامح الله ابوعمار رفض، مفضلا الانتظار لمنح شرف توقيع السلام للرئيس الاميركي المقبل، الذي تبقى على وصوله بضعة اسابيع. جاء بوش واوصد الباب، مشيرا الى انه قبل بتوصية الرئيس السلف، الذي حذره من ان ابوعمار شخص لا يوثق به، وكررها بوش في العديد من خطبه، عرفات لا يوثق به. الحقيقة ان ابوعمار لم يكن كاذبا، كان مخطئا في فهم السياسة الاميركية، عاملها مثل معاملة رئاسة الحكومة الفلسطينية اليوم.

وبعد احباط مريع، ومرور اكثر من عام على خروج بوش، ظهر عرفات واعلن انه مستعد للتوقيع على اتفاق السلام، «كامب ديفيد ـ طابا»، وجاءه الرد بأن العرض لم يعد على الطاولة وانتهى بمكافأة هزيلة اسمها «خارطة الطريق»، التي تعد الفلسطينيين فقط بفتح الباب للتفاوض.

وابو عمار ليس وحده الذي يبالغ في قراءة اتجاه الريح الانتخابية، بل كثير من الساسة العرب يفرطون في بناء آمالهم على رئيس مقبل، في حين ان الافضل لهم التعامل واقناع الرئيس القائم، او نسيان الدور الاميركي.