بلسم وعلقم

TT

في غربته الكئيبة، كتب اليّ الأخ جمال الطائي من السويد يقول ان مقالاتي اصبحت البلسم الوحيد له. يقرأها ليبدد بها ظلمة التشرد والاغتراب. ولكنه الآن تجاوز هذه المرحلة. أخذ يبدد هذه الظلمة ليس بقراءتي وانما بمكاتبتي، وها هي واحدة من رسائله الطويلة يبث فيها همومه وافراحه ومخاوفه بالنسبة لوطنه العراق. ثم يمضي لمهاجمة الاعلاميين العرب الذين ما انفكوا يجدون الاعذار لتأييد صدام حسين والوقوف ضد أماني الشعب العراقي، يقول:

«رغم كل المقابر الجماعية والوثائق التي اثبتت صدق ما قلناه عن صدام ونظامه، ما زالوا يهاجموننا، ويتهموننا الآن بالذلة والخنوع للاحتلال متذرعين بشتى الاعذار، يتهموننا مرة بالقطرية ومرة أخرى بالطائفية أو الرغبة باخراج العراق من قطار العروبة. وكله يذكرني بجحا وجارته: ارسلت ابنتها لتستعير حبلا من جحا تنشر عليه غسيلها. فقال لها جحا: «سلمي لي على والدتك. أنا متأسف. لا استطيع اعارتها الحبل لأنني اليوم ناشر عليه الطحين حتى ينشف». اخبرت البنت امها بجوابه ثم عادت «امي تقول كيف تنشر الطحين على الحبل؟ يعني هذا كلام معقول؟». أجابها جحا: «قولي لأمك تريدين مني عذرا أو تريدين شيئا آخر؟!».

كنت اتصور ان لندن اصبحت عاصمة الفكر العربي. ولكن كلا. عليّ ان اغير رأيي الآن. الظاهر ان السويد اخذت قصب السباق. فها هي رسالة ظريفة أخرى من السويد من الاخ حسن اسد. يتحدث فيها عن وعود الساسة العرب ودأبهم المستمر على تأجيل مشكلة البوح الى الغد. يقول ان امرهم يذكره بالسيد عبود الذي كان يراه يحضر لمشاهدة فيلم عنتر وعبلة. يشتري كل يوم بطاقة ويدخل السينما ويرى نفس الفيلم. اخيرا ضاق اخونا حسن من هذا الامر العجيب فسأل السيد عبود، لماذا تأتي كل يوم وتدفع كل هذه الفلوس لمشاهدة نفس الفلم. فأجابه قائلا انه بسبب شيبوب. فشيبوب يفشل في صيد الغزال في الفلم ثم يقول للغزال: غدا اصيدك». ويضطر السيد عبود لأن يأتي في اليوم التالي ليرى كيف سيصيد شيبوب ذلك الغزال اللعين. واذا به يحصل على نفس المشهد ونفس الوعد بأن يصيده غدا حتى زهق عبود من هذا العناء وسلم أمره لله وتوقف عن مشاهدة الفلم.

ما اصدق تشبيه السياسة العربية بعنتر وعبلة. من اقصى الشمال السويدي نقلتني رسالة الى شمس افريقيا عندما كتبت لي الاخت خديجة شبكة من الاتحاد النوبي الوطني في مصر. وكانت رسالة مثلجة للصدر: «صدقني بأن ما كنت تقوله في مقالاتك عمن راحوا يذرفون دموع التماسيح هو الواقع والحقيقة. لقد بدأت معاناة العراقيين ومذلتهم بغزو اوغاد صدام حسين للكويت، البلد العربي، ان قادة العراق خدعوا شعبهم وعرضوه للذل. وقادة العرب، لا سيما الجامعة العربية، تبارك افعالهم. انني اختلف كليا مع من راحوا يزرعون الكره والتشفي والحقد على صفحات «الشرق الأوسط». بالطبع ستجد من يعارضك فأنت تنطق بالحقيقة وما هي غير بالونات منفوخة بالهواء. متى يستفيق العالم العربي ويرتقي الى مستوى القرن الواحد والعشرين؟

دع الكلاب تنبح والقافلة تسير.