لا تقربوا الياسمين

TT

مهما حاولت التعبير عن نفاق المجتمعات العربية فقد أعجز في رسم هذه الصورة البسيطة الموحية التي رسمها يراع القارئة الكريمة أمل الغامدي وهي تطالبني بألا أهز شجر الياسمين في الذاكرة العربية التي ادمنت آلامها وتصالحت الى حد ما مع نفاقها في تقسيم الحياة الى وجه وقناع. ولنقرأ رسالة أمل الغامدي اولا ثم نحاول ان نفهم دون غيظها المكتوم الذي يؤثر على لغتها ورؤاها، لماذا صرنا هكذا...؟

تخيفنا الحقيقة، ويرهبنا الحب المعطر، ونبيح لانفسنا ان نفعل كل شيء بالخفاء بعيدا عن عيون الناس.

ففي عدد «الشرق الأوسط» ليوم الجمعة 19/9/2003 رقم 9061 تحدثت عن الحب وفندت عذريته وحاورت الدكتور الوهيبي والسيدة الناصري فيما بعثا به لك.

الحب يا سيدي كلنا نعلم بأن الشهوة امه وان الغيرة مرضعته ولولاهما لمات الحب واخترعنا شيئا آخر. مشكلة المعارضين والمفندين لوهم الحب العذري انهم ما زالوا يأملون في توسد ريش النعام والتلحف بأغطية الحرير بعد سهرة مناجاة وسمر مع من يتفق معهم فكرا ويغذيهم عاطفة، ويشحنهم ثقة ويثني ويبارك لهم سعة الصدر ولطافة المنطق.. ليودعهم بعدها بنظرة قاتلة ولمسة حانية وربما قبلة مسروقة تبقى دافئة على الوجنتين حتى يحين موعدهم الآخر.

مشكلتنا اننا لا نزال نحلم، نستطيب الحلم ونرفض الواقع، نكره الوقائع ونفند الحقائق ونعيش لنحلم وبالحلم نعيش، يتصور اليهود بأنهم شعب الله المختار، ويتصور العرب بأنهم ملائكة منزلة، وعودهم براقة، احلامهم طويلة، امانيهم خارقة، يرفضون الواقع، ويكرهون من يدلهم على اعماقهم. وحين يستيقظون من اوهامهم يفاجأون بأن الطيور طارت بأرزاقها «ولم يعد في الميدان الا حميدان». حتى في الحب يرفضون الفطرة والغريزة ويحقرون الشهوة ويلعنون الرغبة لانها تنزلهم من ملكوت الحلم الى ارض الواقع القذر.

انهم نيام فلماذا توقظهم. دعهم في طغيانهم يعمهون، وبين طيات كتب التاريخ يحتفلون، انهم الشعب الوحيد الاكثر نفاقا لبعضهم وللآخرين من حولهم، يتراشقون بالسباب ويلعن بعضهم بعضا في وضح النهار امام الملأ، ويتعانقون ويتوسدون الاذرع والصدور حين يخيم الليل وتغلق الابواب والنوافذ ويكونون في الخفاء.

اتق الله يا سيدي في العرب ولتكن اكثر ترفقا بهم.. انت تفسد عليهم احلامهم وتبدد العالق بـأخيلتهم، وهم شعب لا ذنب لهم ولا جريرة الا انهم خلقوا رقيقي الحاشية ضعيفي القلوب لا يطيقون مرارة الواقع ولا الم الخذلان والاحساس بالنقيصة.. انهم يخافون تكشف الحقائق ويخشون من يرشدهم الى سراديب نفوسهم المغلقة بمفاتيح العجز والانكسار والهزيمة.

رجاء الا تهز شجرة الياسمين في ذاكرتنا.

* أمل الغامدي

النفاق كما تنتقده هذه الرسالة ذو شقين، سياسي وعاطفي، لكنه من منشأ واحد.. ثقافة الكبت والوجه والقناع. لكن ما الافضل يا سيدتي، ان نهز شجرة الياسمين ونقربها لتنشر عطرها على من حولها، ام نتحاشاها ونستمر في ازدواجيتنا...؟

لا نزعم امتلاك الحقيقة، فهل من يساعدنا على التفكير بالصوت العالي احتراما لشذى الياسمين وكل الروائح المحجوبة بفرمانات اجتماعية...؟