بثينة شعبان.. والاعلام العربي

TT

استوقفني مقال الدكتورة بثينة شعبان في عدد «الشرق الاوسط» الصادر اول من امس خصوصاً أن كاتبته ليست فقط كاتبة واعلامية بل ومسؤولة ايضاً. كما أن الموضوع الذي تناولته يعتبر مسألة في غاية الأهمية لا يجب أن يمر عليها الناس مرور الكرام، او مرور أهل البوربون الذين لم يتعلموا شيئاً ولم ينسوا شيئاً.

الدكتورة بثينة، وهي اعلامية متميزة، انتقدت الاعلام العربي واتهمته بالافتقار للمبادرة وبالعجز في فرض أجندتنا وقضايانا على الاخرين، وبالكسل والاستسلام للنقل من المصادر الغربية والاعتماد بشكل شبه كامل ومطلق على ما يوضع بين يديه من قبل الوكالات ومصادر الاخبار العالمية، او بالأحرى الاميركية والغربية بشكل عام. ومثل هذه الانتقادات صارت تتكرر كثيراً من باب الشكوى على بعض ما ينشر في وسائل الاعلام العربية، خصوصاً ما ينشر نقلاً عن مصادر غربية. ولست هنا في وارد النفي لحقيقة أن الاعلام العربي مثله مثل وسائل الاعلام الأخرى في العالم ينقل من وكالات الانباء ومن مصادر غربية وغير غربية، مثلما ينشر مواد مراسليه وكتابه. ولا أجد حرجاً او غضاضة في مسألة استخدام وكالات الانباء لأن هذه وظيفتها. كما لا أجد مشكلة في النقل للقارئ العربي مما تنشره وسائل الاعلام العالمية، لأن في المعرفة قوة وليس ضعفاً، وأفضل للعرب مليون مرة أن يعرفوا ما يكتب وينشر عنهم حتى لا تنطبق عليهم بالكامل المقولة المنسوبة الى وزير الدفاع الاسرائيلي الراحل موشيه دايان من أنهم لا يقرأون واذا قرأوا لا يفقهون. فالعالم اليوم اصبح قرية صغيرة تطير فيها المعلومة بسرعة البرق مخترقة الحواجز والحدود الطبيعية والوهمية.

لكن ما أود مناقشته هو ما أشارت اليه الدكتورة بثينة شعبان من ان الاعلام العربي يفشل في ان يكون منشأ اخبارياً يطالع العالم كل يوم بقضاياه، وأنه يعاني من التبعية الاخبارية والاعلامية لوسائل الاخبار الغربية، ويفتقر الى مرجعية اعلامية فكرية. ولأن الدكتورة بثينة دعت الى وقفة جريئة لمعالجة هذا الموضوع فقد رأيت كواحد من أهل المهنة الذين اختاروا طريق الصحافة عن عشق طوعي، أن أثير بعض قضايانا وهمومنا واسباب احباطنا احياناً في مهنة المتاعب. فالصحافة في عالمنا العربي تعاني فعلاً من مشاكل ومن عقبات أكثر من أن تحصى، لكن جزءاً من مشاكلها الحقيقية يكمن في القيود التي كبل بها الاعلام العربي، وهي قيود مسؤول عنها السياسيون وليس الصحافيون. فكثير من الساسة في عالمنا العربي يريدون اعلاماً مقيداً، ولا يتعاملون مع الصحافي باحترام لمهنته وتقدير لحريته، بل يريدونه بوقاً للتطبيل والتبجيل، او لوضع الطلاء والمساحيق على الصورة العربية حتى لا تظهر الصورة المشروخة في معظم الاحيان. والادهى من ذلك أن كثيراً من المسؤولين العرب يعاملون الصحافي الاجنبي باحترام لا يعطون ربعه للصحافي المحلي، ويفتحون له ابوابهم ويقدمون له التسهيلات فيعود الى بلده ليكتب ما يشاء حتى وإن لم يرض ذلك مضيفه العربي.

وفي مجال صحافة التقصي، وهو أهم مجالات العمل الابداعي الصحافي، يستطيع الاعلام الغربي التحرك بحرية مطلقة مستنداً الى حصانة القانون، والى جدار صلب اسمه حرية الصحافة حتى باتت الصحافة تعرف باسم السلطة الرابعة. فماذا عن الصحافي العربي، هل نستطيع القول انه يملك حرية الحركة وحصانة القانون وحرية الاعلام لكي نقارن بين نتاجه ونتاج رصيفه الغربي؟ ان الجواب على ذلك هو في وظيفة الرقيب التي لا توجد الا في العالم العربي وبقايا دول المعسكر الشيوعي وفي ديكتاتوريات افريقيا، ويوجد ايضاً في الاحصائيات والقصص عن صحافيين اخضعوا للاستجوابات في مقار الامن، وعن زملاء في هذه المهنة تعرضوا للتعذيب وللسجن.

ان الاعلام العربي ليس الا مرآة لمجتمعاتنا والصورة التي ينقلها، ان كانت عاجزة، هي نتاج للحالة العربية الراهنة. ولن يستطيع هذا الاعلام أن يخدم أمته خدمة حقيقية، الا اذا أعطي الوسائل الحقيقية والاحترام والحصانة اللازمين للقيام بدوره، والا اذا رفعت وزارات الاعلام ايديها عنه، وعندها يمكن أن نحاسبه على الفشل والتقصير، ويمكن ان نتوقع منه ان يصبح مصدرا مؤثراً للاخبار وليس ناقلاً لها، ولاعباً اساسياً وليس هامشياً في قضايا ومعارك أمته.