من يرفع الصوت ضد مقتدى الصدر؟

TT

يحق للسيد مقتدى الصدر، كما لأي عراقي غيره، ان يعارض الاحتلال الاميركي ـ البريطاني للعراق. ويحق له كذلك، كما لسائر العراقيين، ان يعارض مجلس الحكم العراقي والحكومة التي شكلها. ويحق له ايضا وايضا، كما لكل عراقي آخر، ان يعبّر عن هذه المعارضة بالكلام والكتابة والرسم وبتشكيل الاحزاب والمنظمات وبتسيير المظاهرات.

لكن ما لا يحق لمقتدى الصدر ولا لغيره، سواء كان عراقيا او غير عراقي، هو التحريض، بأي شكل من الاشكال، على العنف او القيام بأي عمل من شأنه تعويق الاسراع في خروج العراق من النفق المعتم الطويل الذي وضعه فيه نظام صدام حسين طيلة 35 عاما وتأخير استعادة العراق عافيته، الشرط الاول والرئيس لانهاء الاحتلال الاجنبي واسترداد السيادة والاستقلال اللذين فرّط بهما صدام منذ سنوات ولم نسمع للسيد مقتدى الصدر خلالها صوتا قويا ولم نر له اعمالا مثيرة في سبيلهما كما يفعل اليوم. فقط سمعنا صوتا شجاعا من والده الذي اغتاله النظام المنهار. وفي الواقع لم يكن مطلوبا من السيد مقتدى الصدر ان يتحدى على طريقة والده الشهيد لأنه كان ولم يزل في مرحلة الدرس.

لا نظن ان هذه الاعلانات المتتالية للسيد مقتدى الصدر، مرة بتشكيل ميليشيا مسلحة واخرى بتأسيس نصف «حكومة ظل»، تساهم في معافاة الوضع العراقي، بل هي تزيد من معاناة العراقيين وتطيل من امدها الطويل للغاية في الاساس. فالعراق في امس الحاجة الآن لنهضة اقتصادية عاجلة بعدما تركه صدام وحروبه بلا اقتصاد. وأول شروط النهضة الاقتصادية الامن الراسخ والاستقرار الوطيد، وهذا ما يدركه جيدا صدام وفلول نظامه واعوانه الذين يقومون الآن برهانهم الاخير: زعزعة الامن والاستقرار. فلماذا لا يكون للسيد مقتدى الصدر، ومن حوله، الادراك نفسه كيما يفوّت الفرصة على صدام وفلول نظامه واعوانه ويساعد على تقريب يوم الخلاص من الاحتلال الاجنبي؟

لو ان كل زعيم سياسي او ديني لا يعجبه مجلس الحكم والحكومة التي شكلها والجيش الذي هو الان قيد الانشاء يقتفي اثار السيد مقتدى الصدر فيؤسس ميليشياه وحكومته الظلية لتحول العراق الى 77 دويلة كل واحدة بزعيمها وميليشياها وحكومتها: كذا واحدة شيعية ومثلها سنية، وكذا حكومة كردية ومثلها تركمانية واشورية، فضلا عن الصابئية والازيدية وكذلك الشيوعية والقومية العربية والليبرالية، فهذه كلها مكونات الشعب العراقي الاساسية، ولا أحد افضل من غيره ولا أحد له حقوق اكثر من حقوق الآخرين. والآن بالذات ليس في وسع اي أحد ولا من حقه الزعم بأنه افضل او اهم او اكبر من الآخرين. فقط عندما تجري انتخابات حرة ونزيهة فان صناديق الاقتراع هي التي ستحدد من هو الافضل والاهم والاكبر.. الى حين وليس الى الابد بالطبع.

في الواقع ان زعماء الشيعة العراقيين الدينيين والسياسيين، وهم في اغلبيتهم معتدلون، يتحملون مسؤولية كبيرة في الاندفاعة المتطرفة للسيد مقتدى الصدر. فحتى الآن لم نسمع منهم صوتا يحذّر من تطرف ديني ـ شيعي لن يترتب عليه الا تطرف مماثل على الجبهات الاخرى ينتظر، لكي ينفلت هو الآخر، ظرفا مماثلا لما يعمل له السيد مقتدى الصدر. وكلام هؤلاء الزعماء الآن مهم قبل فوات الأوان.

قضية التعويضات

الكويتيون الذين اغاظتهم دعوة السفير بول بريمر اليهم والى السعوديين وغيرهم ممن ترتبت لهم ديون وتعويضات على العراق، كواحدة من التركات البغيضة وثقيلة الوطأة لصدام حسين ونظامه، باطفاء هذه الديون والتعويضات لهم الحق في ان يحنقوا ويرفضوا الاستجابة لدعوة بريمر. والعراقيون الذين اغاضهم موقف هؤلاء الكويتيين لهم الحق ايضا. فالكويتيون لهم كل الحق في استعادة ديونهم والتعويضات التي تقررت لهم عن الاضرار الهائلة التي لحقت بهم من غزو صدام حسين. والتعويض عن الحرب والعدوان حق مطلق للضحايا وواجب مطلق على المعتدي. اما العراقيون فان لهم الحق في ان يتوقعوا وقفة اخوية حميمة من اشقائهم، خصوصا الذين اكتووا مثلهم بنار صدام.

ولكني شخصيا لا اؤيد ان يتنازل الكويتيون او غيرهم عن ديونهم وتعويضاتهم. فمن مصلحة العراق الا تطفأ هذه الديون والتعويضات تماما.. كيف؟

اذا تنازل الكويتيون والسعوديون والايرانيون والاماراتيون والروس والفرنسيون والآخرون عن هذه الديون والتعويضات سيصعب على الاجيال العراقية القادمة ان تحس بوطأة تركة صدام الثقيلة. وفي غمرة عدم الاحساس هذا قد يُبتلى العراق مرة اخرى بصدام جديد يندفع بالعدوان على جيران العراق واشقائه متذرعا بقضية قومية فيحظى بتأييد من قومجية وأوصوليي ذلك الزمان يماثل التأييد العاصف الذي تمتع فيه صدام حسين من قومجية وأصوليي هذا الزمان.

اظن ان من الانسب ان تقسّط الديون والتعويضات، كاملة او مخفضة، على أجل طويل يمتد مئة عام او مئتين، وان تعلن الحكومة العراقية في موعد محدد من كل عام (الثاني من اغسطس/آب يوم غزو الكويت والثاني والعشرين من سبتمبر/ايلول يوم غزو ايران) قيمة القسط السنوي المدفوع عن سداد الديون والتعويضات، مع التأكيد بأن العراقيين انما يسددون ثمن مغامرات صدام حسين وسياساته الرعناء. واظن ان هذا سيكون رادعا لأي مغامرة محتملة في المستقبل، والاهم انه يمكن ان يكون دافعا قويا للعراقيين لكي يحولوا دون ظهور صدام جديد بينهم.

[email protected]