العالم العربي لا يعاني من العجز

TT

ضعف ردود الأفعال العربية الرسمية، حتى على المستوى النظري، على قصف إسرائيل لمنطقة تقع داخل العمق السوري، جدد الشكاوى حول العجز المشين للعالم العربي. وكما جاء في كلمة افتتاحية بصحيفة «عرب نيوز» الصادرة بجدة: «كلمة العجز، كلمة قوية. ولكن العجز هو بالضبط ما يشعر به الإنسان في الشارع العربي». ومع ذلك فإن هذا العجز الذي يشعر به الكثيرون ويتصورونه، ليس قدرا أعمى، بل هو خيار سياسي.

ومع أن قادته يمكن ألا ينتبهوا إلى هذه الحقيقة، فإن العالم العربي ليس عاجزا. بل في إمكانه في حقيقة الأمر أن يحقق السلام في الشرق الاوسط بدرجة مقبولة من العدالة، ليس في مستقبل بعيد مجهول، بل بصورة آنية، وليس عن طريق العنف المتنامي والمنفلت، بل من خلال الضغط الاقتصادي الذكي والمسؤول والمتواصل.

إن خطة فعالة، محددة ومتناسقة، يمكن أن تعتمد اسلوب «الجزرة والعصا»، مع إعلان «الجزرة» و«العصا» في نفس الوقت. ولنتحدث أولا عن الجزرة:

تؤكد الجامعة العربية من جديد الشروط الحكيمة والكريمة للسلام، الواردة في إعلان بيروت في مارس (آذار) عام 2002، والتي نتجت عن المبادرة الشجاعة لولي العهد السعودي الأمير عبد الله، والتي عرضت السلام الشامل والعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية الطبيعية بين إسرائيل والدول العربية مقابل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكل الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967. وهناك من يشك حاليا في أن يكون هذا العرض، والذي يعتبر الأكثر سخاء من بين كل العروض التي يمكن أن تتلقاها إسرائيل، ما يزال موجودا. وعلى الدول العربية أن تعلن أن العرض ما يزال قائما، وأنها تقصده تماما عندما قدمته.

ونأتي الآن إلى العصا:

يعلن المنتجون الاساسيون للنفط العربي، أنهم، وحتى تذعن إسرائيل للقانون الدولي ولقرارات الأمم المتحدة بانسحابها من الأراضي العربية المحتلة والتزامها بحدودها المعترف بها دوليا، سيخفضون إنتاجهم من النفط بنسبة 5 في المائة كل شهر، وأنهم سيفعلون ذلك شهرا بعد شهر بعد شهر، وأن ينفذوا بالضبط ما يعلنون.

كان من الأفضل بالطبع، لو أن الولايات المتحدة، التي كان دعمها غير المشروط لإسرائيل هو الذي مكنها من احتلال الأراضي العربية وجعل السلام مستحيلا، تمكنت من تحقيق تحول أخلاقي ومسلكي، ولو أن الأميركيين انتبهوا بصورة فجائية إلى حقيقة أن الفلسطينيين ايضا من البشر، وأن من حقهم التمتع بالحقوق الإنسانية الأساسية وأن القانون الدولي يجب أن يخضع له الجميع وليس فقط الفقراء والضعفاء والعرب. ولكن الواقعية تملي علينا أن نقول أن مثل هذا التحول الفجائي، بعد كل هذه السنوات من الأفعال النقيضة، يعتبر أمرا بعيد المنال.

ولكن إذا لم يكن ممكنا مخاطبة قلوب وعقول الأميركيين، فإن من الممكن مخاطبة جيوبهم. فالمال هو الإله الحقيقي للولايات المتحدة. فإذا ارتفعت أسعار البترول ارتفاعا غير عادي، وتدهورت أسعار الاسهم، فإن الأميركيين سيبدأون في توجيه السؤال المحدد، وهو: لماذا يسمح لإسرائيل بالتمادي في خرق القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وحرمان الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية، ولماذا تلجأ الولايات المتحدة، وحدها دون سواها، إلى تأييد إسرائيل تأييدا غير مشروط، ومساعدتها على إتيان هذه الأعمال، التي لا تكون نتيجتها إلا هذا الغضب العالمي ضد أميركا والغلاء الفاحش في اسعار النفط الذي يدفع ثمنه الأميركيون.

وما دام الإحتلال الإسرائيلي للاراضي العربية لا يخدم أية مصلحة قومية أميركية، فإن أحدا لن يستطيع الإجابة على هذه الاسئلة إجابة مقنعة وغير عنصرية في منطلقاتها. وفي ظل ارتفاع أسعار النفط وانخفاض أسعار الأسهم، وعدم وجود ضوء في آخر النفق، فإن هذه الاسئلة ستصبح أكثر إلحاحا، وسيصبح موقف التحدي الذي تقفه إسرائيل لا يمكن الدفاع عنه.

وعندما يتعرض الإسرائيليون للضغوط من قبل الحليف الوحيد الذي يدعمهم دون شروط، فإنهم سيتحققون، بسرعة لا يتصورها أحد حاليا، أن امنهم الخاص لن يكون مضمونا أبدا، ما داموا يحتلون بصورة غير مشروعة الأراضي العربية وأن الإذعان للقانون الدولي والتصرف وفق قرارات الأمم المتحدة، في فلسطين وسورية، كما في مصر والأردن ولبنان، يخدم بعمق المصالح الإسرائيلية البعيدة المدى، وأنه أصبح لا مندوحة عنه، ومن الأفضل تبنيه اليوم قبل الغد.

وفي الوقت الذي تنتظر فيه الدول العربية والإسلامية المنتجة للنفط، نجاح الضغوط الاقتصادية في إيقاظ الحس السليم، وتحقيق النتائج التي تخدم مصالح الجميع، فإنها لن تعاني من آلام أو تضحيات. فهي كلما خفضت الإنتاج النفطي بنسبة خمسة في المائة، فإن أسعاره ترتفع بمعدلات أكبر، بينما تنخفض الصادرات بمعدلات متواضعة ولكنها منتظمة، وعلى غير ما يحدث في حالة المقاطعة النفطية الشاملة والمفاجئة، فإن هذه المقاطعة الجزئية يمكن التحكم فيها فنيا وسياسيا وسيكولوجيا.

ألم يعد واحد في العالم العربي يتذكر القيادة الشجاعة للملك فيصل قبل 30 عاما؟ في تلك اللحظات القصيرة الباهرة حصل العالم العربي على احترام كبير. ولكن «الاحترام» ليس من الكلمات التي يمكن نسبتها حاليا إلى العالم العربي. وفي الوقت الذي تحكم فيه الجيوش الأجنبية العراق، ويتحدث فيه قادة كبار في إدارة بوش، وبصورة علنية، عن إعادة رسم خريطة المنطقة بما يخدم مصالح إسرائيل وأميركا بصورة أمثل، فإن وضع العالم العربي يشبه وضع القارة الأفريقية عندما تجمعت القوى الإمبريالية في مؤتمر برلين عام 1885 لتقسيم القارة فيما بينها.

ليس ثمة حتميات في هذا الوضع. فالعجز ليس قدرا لا يمكن تفاديه. كما أن اليأس والاستسلام ليسا الخيارين الوحيدين. المطلوب هو الشجاعة، والقيادة التي تيسر استخدامها بحكمة.

* محام أميركي في القانون الدولي