توضيح الواضح!

TT

لا استطيب الرد على انتقادات القراء وآرائهم، ليس من موقع عدم الاكتراث ولكن على اساس ان صدر الكاتب يجب ان يكون رحبا وان من حق القارئ ان ينظر الى ما يقرأه من زاوية غير الزاوية التي نظر من خلالها الكاتب. لكنني وجدت انني لا بد ان اوضح لقارئين محترمين وليس ارد عليهما، مبرر مقالي ليوم السبت الرابع من هذا الشهر الذي عنوانه «انهم يقتلون النخيل».

فالمقال جاء على خلفية استغراب الاميركيين للمقاومة التي يبديها الشعب العراقي الذي جاءوا لـ «تحريره» من نظام حاكم مستبد وظالم وديكتاتور وقاتل، والمقال جاء ايضا على خلفية ان هذه «المقاومة»، التي قلت ولا ازال اقول انها شرارة حرب اهلية ان هي بقيت مستمرة بهذه الطريقة، ليست ماركة مسجلة لفلول النظام المدحور واستخباراته والمتضررين من اطاحته وازالته وان جزءا من اسبابها ومسبباتها الرئيسية هي هذه التصرفات الخاطئة التي يقوم بها جيش الدولة المحتلة.

قد يكون غيري يتخذ من اخطاء الاحتلال وتجاوزات قواته ذريعة للدفاع عن صدام حسين ونظامه، اما انا ـ والعياذ بالله من قول «انا» ـ فمواقفي معروفة ليس بعد سقوط هذا النظام الاستبدادي المجرم ولا عشية هذا السقوط ولكن منذ فترة بعيدة وقبل ذلك بكثير ولعل ما لا يعرفه القراء المحترمون الذين ردوا على مقالي الآنف الذكر ان ما كتبته ضد هذا النظام وضد ممارساته، يوم كانت الكتابة على هذا النحو غالية الثمن ومكلفة، من الممكن ان يملأ مجلدا بأكمله.

لا اعرف ما اذا كان الذي جرى في «الضلوعية» اقتصر على قطع عنق نخلة واحدة ام عشرات ومئات النخيل، ولكن الصورة التي وصلتني ووصلت غيري هي ذات الصورة التي جاءت من دير البلح في غزة، حيث هجمت الجرافات الاسرائيلية على اشجار النخيل واقتلعت العديد منها بحجة ان «الارهابيين»!! يضربون ثم يلجأون الى الاحتماء بها.

ثم ان صورة الطفل العراقي الذي كان يقف الى جانب جثمان النخلة الشهيدة والذي قال بمقت وحزن: «كل شجرة بخمسة جنود» ذكرتني وربما ذكرت غيري بصور الاطفال الفلسطينيين الذين اعتدنا مشاهدة صورهم على شاشات الفضائيات وهم يراقبون، بحقد وبوجع، الجرافات الاسرائيلية وهي تقتلع اشجار الزيتون والبرتقال وتهدم المنازل وتدمرها بأنيابها المتوحشة.

ان ما اردت قوله في المقال المذكور هو ان الاميركيين الذين جاءوا الى العراق «محررين»!! يجب ان لا يقعوا في هذه الاخطاء القاتلة، وهو ايضا ان قطع الاشجار واغتيال النخيل لن يجلب الامان لدورياتهم التي تتحرك على الطرق العراقية. ان الذي يجلب الامان اليهم والى دورياتهم هو اكتساب ثقة الشعب العراقي وهو عدم الاساءة الى هذا الشعب العظيم وعدم خدش كرامته بالطرق والوسائل المتبعة في بلاد الرافدين الآن.

وكما انه لا يجوز الدفاع عن صدام حسين ونظامه البائد من خلال التركيز على مساوئ الاحتلال وسلبياته وتضخيمها، كذلك فإنه لا يجوز الدفاع عن اخطاء الاحتلال من خلال التذكير بالمصائب التي حلت بالشعب العراقي وبالعراق خلال سنوات حكم هذا النظام، فخيار العراقيين يجب ان لا يكون إما صدام حسين بدمويته وبشاعته وإما الاحتلال بأخطائه وتجاوزاته ومنها اقتلاع الاشجار وقطع اعناق النخيل واجتياح البيوت بلا استئذان والاصرار على عدم وضع شؤون العراق في ايدي العراقيين.. وهذا هو توضيح الواضح.