حرب ألوان رمزية في إيران

TT

عندما وصلت الى مطار مهرأباد في طهران، استقبلت شيرين عبادي كبطلة قومية، إذ أبدى، حتى ضباط الجوازات والجمارك، المعروفون بوجوههم المتجهمة، ترحيبا حماسيا بشيرين التي كانت تشق طريقها عبر الاماكن المخصصة لضباط الجوازات والجمارك. فكل من كان هناك شارك في الترحيب الحماسي العفوي والتصفيق الذي دوى في قاعة وصول المسافرين.

تجمع خارج مطار طهران ما يزيد على عشرة آلاف شخص، جاءوا في تلك الليلة الباردة، لكي يعبروا عن ترحيبهم الحار، بالبطلة الايرانية شيرين عبادي.

شيرين، التي فازت بجائزة نوبل للسلام هذا العام، وضعت على رأسها غطاء لونه أزرق داكن، قبل دقائق فقط من هبوط الطائرة في مطار العاصمة الايرانية (النساء الايرانيات ملزمات بنص القانون بتغطية رؤوسهن، والعقوبة على عدم تنفيذ ذلك ربما تصل الى السجن).

ثمة مفاجأة كانت في انتظار شيرين عبادي. فكل النساء اللائي جئن لاستقبالها، بمن فيهن ابنتها نرجس، كن يرتدين حجابا أبيض وثوبا ابيض اللون ايضا. وقد طلب منها عند خروجها، تغيير غطاء الرأس الازرق الى غطاء أبيض اللون.

كانت تلك معركة رمزية، فالسلطات الايرانية تصر على ارتداء النساء حجابا بلون داكن يفضل ان يكون اسود اللون. لذا فإن هذه الحركة النسائية الجديدة التي ترتدي غطاء رأس وثوبا باللون الابيض تشكل تحديا مباشرا للنظام الايراني. كما ان عددا من الرجال باتوا يرتدون قمصانا بيضاء وربطات عنق بيضاء ايضا. فالرسالة واضحة إذاً: هناك ايران «بيضاء» تعارض «ايران السوداء».

ولكن السؤال هو: هل تعتزم شيرين عبادي ان تصبح رمزا في هذه الحرب الرمزية في ايران؟

لا شك في ان اعضاء هيئة المحلفين أنفسهم، الذين اختاروا هذه المحامية الايرانية لنيل هذه الجائزة الرفيعة، اتخذوا خطوة رمزية ايضا، بعثوا من خلالها رسالة، ليس فقط الى الحركة المؤيدة للاصلاحات، وإنما الى المسلمين في مختلف انحاء العالم.

هذا هو نوع الحوار الصامت الذي لا يمكن تناسيه او تجاهله، فالمزاج الاحتفالي الذي أوجده فوز شيرين عبادي بجائزة نوبل للسلام، سوف يستمر في الغالب لبعض الوقت، إلا ان بعض الاسئلة، في هذا الشأن، طرح مسبقا: هل ستنتهي شيرين عبادي الى مصير ناشطة حقوق الإنسان البورمية، اونغ سانغ سو كاي، التي تحولت الى رمز عالمي للضمير الحي قبل ان يتم التخلي عنها؟

لا شك في ان إيران ليست بورما، كما أن شيرين عبادي ليست اونغ سانغ سو كاي. فإيران اليوم باتت تضم أقوى حركة إصلاح في العالم الاسلامي، وهي حركة تعتبر مصدرا للطاقة البشرية من النوع الذي يشاهده الشخص فقط في التحولات التاريخية الكبرى. فشيرين تعتبر نتاجا لهذه الحركة وليست صانعة له. هناك إرادة واضحة للتغيير في إيران اليوم، وهي إرادة تظهر على مختلف المستويات في المجتمع، بما في ذلك الحكومة والبرلمان. فشيرين تعتبر انعكاسا لهذه الإرادة وللحاجة الى التغيير، فهي تمثل مجتمعا تنحصر غالبية سكانه في فئة الشباب والنساء. فالهدف الأساسي بات مركزا على تحويل ايران الى ديمقراطية حديثة تشارك فيها الغالبية الساحقة لشعب غالبيته من الشباب الرافض للنمط الاستبدادي للمجتمع الابوي.

ربما لا يعرف كثيرون ان منظمة الاطفال غير الحكومية، التي تديرها شيرين عبادي، تعتبر واحدة من خمس عشرة منظمة حكومية ناشطة في مختلف انحاء ايران.

ولا يوجد مكان آخر في العالم الاسلامي، يتمتع فيه المجتمع المدني بحيوية مثلما هو في إيران. وفي الواقع، يمكن للمرء ان يتحدث عن مجتمعين متوازيين، واحد يسيطر عليه خطاب رسمي ميت، والثاني يبني مستقبله على أسس من الأفكار والقيم المعاصرة. فعلى سبيل المثال، ربما تذهب المرأة الايرانية الى السجن لعدم تغطية رأسها، لكن النساء حاضرات في كل مجالات الحياة، وبأعداد مهمة عادة.

وهؤلاء الذين رحبوا بعبادي في مطار مهرأباد، هم في معظمهم نفس الرجال والنساء الذين صوتوا لمحمد خاتمي ولوعوده بالإصلاح قبل 6 سنوات، وبالرغم من كل المعوقات، فهم لا يزالون يؤمنون بالاصلاح. وهم يشعرون بالإحباط من خاتمي، ولكنهم لا يشكون في حتمية الاصلاح في بلادهم. وهو نتيجة ايجابية للثورة: فالرجال والنساء في ايران يعلمون ان عملهم الفردي والجماعي يمكن ان يؤثر على مسيرة التاريخ.

وعلى الصعيد الآخر، فإن سياسة الحكومة متعددة الاتجاهات. فقد كان المتحدث الرسمي باسم خاتمي، وبعض الوزراء من بين الذين حضروا للترحيب بشيرين عبادي. بينما قام عدد اخر من كبار المسؤولين في الحكومة واجهزة الاعلام، الواقعة تحت سيطرة الخمينيين الاكثر تطرفا، بالإساءة الى شيرين عبادي، غير انه ليس لديهم خيارات، إذا أرادوا التشدد معها، فكيف يمكنهم مواجهة ردود الفعل الداخلية وتحمل نتائجها؟ (يجب ألا ننسى ان أسر بعض السجناء تجمعت امام مقر الامم المتحدة في طهران وان بعض السجناء والنشطاء السياسيين أضربوا عن الطعام).

وحتى اذا ما قرر الخمينيون الاكثر تطرفا، شن هجوم ضد عبادي، يبقى السؤال: الى أي مدى يمكنهم المضي في مثل هذا الاضراب؟

هل يمكن وضع الجميع في السجن، بمن في ذلك أعضاء البرلمان، وآيات الله العظمى، وشقيق الرئيس وهو نائب رئيس البرلمان؟

لا يوجد طريق عودة في إيران. يجب على الخمينيين، الأكثر تشددا، ان يفهموا رسالة جائزة نوبل: التغيير السلمي هو أفضل البدائل لإيران.

* رئيسة تحرير سابقة لصحيفة «ياسي نو»، وهي صحيفة موالية للاصلاح أغلقتها الحكومة في طهران