عدم العثور على أسلحة عراقية محظورة لا يعني انتفاء الخطر

TT

أصدرت المجموعة الاميركية المكلفة التقصي حول اسلحة الدمار الشامل العراقية، برئاسة ديفيد كاي، تقريرا حول ما توصلت إليه في هذا الشأن. إلا ان المفارقة تكمن في ان هذه المجموعة ورثت الواجب الذي كان في السابق ملقى على عاتق منظمة الامم المتحدة، اذ بات مطلوبا منها إيراد تفاصيل بقدر من المصداقية والدقة، حول برنامج العراق لأسلحة الدمار الشامل للرأي العام العالمي، الذي بات ينظر الى هذه القضية بشيء الريبة والشك.

تتوفر أمام المجموعة المذكورة فرص وموارد اكبر حجما مقارنة بما كان متوفرا أمام مفتشي الامم المتحدة برئاسة هانز بليكس، كما ان فترة وجود المجموعة في العراق تعتبر أطول مدى مقارنة بالفترة الزمنية التي كانت متاحة أمام فريق التفتيش السابق. ولكن ما الذي ورد في التقرير المذكور؟ وعلى وجه التحديد، هل يعني عدم العثور على اسلحة دمار شامل في العراق نجاح مهمة مفتشي الامم المتحدة هناك، واعتبار الحرب بالتالي خطوة لم تكن غير ضرورية؟

قال كاي، انه على الرغم من عدم العثور على اسلحة عراقية محظورة، فإن العراق دولة واسعة، وإن عمليات التفتيش ستشمل العديد من المستودعات والمواقع التي لم تخضع لأي تفتيش بعد. اشتمل تقرير مجموعة كاي على قائمة من الأدلة التي تشير الى استمرار البحوث وتطوير كل مجموعة من الاسلحة، رغم ان التقرير لم ينص على ما يشير الى العثور على ما ينبئ بقيام عمليات إنتاج لهذه الاسلحة. وصف التقرير ايضا النشاطات والمعدات التي لم يعلنها العراق لمفتشي الامم المتحدة ولم يعثر عليها بالتالي بواسطة المفتشين.

التقارير التي ستصدر مستقبلا، لا بد ان تحتوي، وعلى نحو يسمح بتحري دقة المعلومات الواردة، المدى الذي وصل اليه العراق في تطوير هذه البرامج المحظورة، إلا ان هذه الاكتشافات لن تفاجئ خبراء الامم المتحدة. فقد ظل صدام يفرق بين الاحتفاظ بالأسلحة المحظورة والاستمرار في تطوير القدرات الخاصة بإنتاج الاسلحة. كما ان التجربة اثبتت ان العراق درج على السعي الى إجراء كل البحوث المناسبة مع هذه البرامج أو البحوث التي يصعب رصدها وكشفها.

ما يمكن قوله هنا، هو ان عدم وجود مخزون اسلحة لدى العراق يعني عدم تشكيل اسلحة صدام المحظورة خطرا. فالجزء الخاص بالبحوث المستمرة في الاسلحة البيولوجية في تقرير فريق كاي، يشير الى احتمال امتلاك صدام حسين لبعض القدرات في هذا المجال، بغرض تهديد دول الجوار والولايات المتحدة، بالطبع، اذ من المحتمل ان تشتمل هذه الاسلحة على عناصر جرثومية.

إلا ان هذا لا يعتبر بأية حال الخطر المباشر الذي تناقش حوله كثيرون قبل اندلاع الحرب. طبقا للتقرير المذكور، لم يعثر على أي ذخيرة لأسلحة بيولوجية أو كيماوية، أي ان خطر الاسلحة المحظورة من المحتمل ان يستمر الى بعض الوقت. ولكن اذا لم يحدث تغيير فيما يتعلق بهذه النتيجة، يصبح من المهم على فريق كاي تحديد الوقت الذي تم فيه التخلص من هذه العناصر والاسلحة المحظورة، كما سيكون من المهم ايضا تحليل السبب وراء عدم صحة الصورة التي عرضها وزير الخارجية كولن باول أمام مجلس الأمن في فبراير (شباط) الماضي.

يجب ان تحتوي أي تقارير مستقبلية حول هذه القضية، على الحقائق التي لم يعثر عليها فريق الامم المتحدة للتفتيش بشأن اسلحة العراق المحظورة وكيفية عرقلة النظام العراقي السابق لجهود فريق التفتيش التابع للامم المتحدة. فهذه القضية على قدر كبير من الأهمية، اذ ان كاي اشار الى ان غش النظام العراقي السابق ومراوغته واخفاءه للمواد المحظورة، كانت من الاسباب وراء الفشل في العثور على الاسلحة المحظورة او المواد ذات الصلة بها. وكما هو معروف، فإن فريق التفتيش الأول (انسكوم) اتبع برنامجا مثيرا للجدل إزاء الآليات التي كان يتبعها النظام العراقي السابق لإخفاء هذه الاسلحة والمواد، بغرض إظهار الحجم الهائل للموارد التي كانت متاحة أمام اجهزة الأمن والاستخبارات العراقية، من اجل عرقلة عمل فرق التفتيش.

ظهرت ادلة على ان عبد حامد حمود، المسجون الآن لدى القوات الاميركية، كان مسؤولا عن إدارة جهود النظام العراقي السابق لاحتواء نشاط التفتيش في السابق، بما في ذلك اختراق فرق التفتيش، وحتى الحصول على مساعدات من دول اخرى لعرقلة عمل المفتشين، وفي نهاية الامر بات إجراء عمليات تفتيش مفاجئة بواسطة الفريق السابق مسألة مستحيلة تقريبا.

يجب ان يحصل الفريق الاميركي الجديد المكلف التقصي حول اسلحة الدمار الشامل العراقية، على فرصة الاطلاع على السجلات وإجراء تحقيق مع المشاركين في النظام العراقي السابق. كما يجب ان تتضمن التقارير المستقبلية، وصفا واضحا للنظام العراقي الذي كان متبعا لاحتواء جهود التفتيش السابقة. فهناك من يرى انه اذا لم يتم العثور على اسلحة عراقية محظورة، فإن عمليات التفتيش التي اجراها فريق الامم المتحدة السابق نجحت في احتواء خطر صدام حسين، وبالتالي فإن الحرب لم تكن ضرورية.

سيثبت خطأ هذه الحجة اذا اثبت فريق كاي انه كان بوسع صدام التلاعب على جهود مجلس الأمن، التي كانت تهدف الى منعه من امتلاك اسلحة محظورة. وفيما بدت عمليات التفتيش السابقة ناجحة في مرحلة محددة، فإنها لم تستمر، كما ان سير هذه العملية بالطريقة التي كانت متبعة، ربما ادى الى فقدان مجلس الامن التركيز على القضية الاساسية. لذا، فإن فريق كاي في حاجة الى توثيق الاستراتيجية التي كان يتبعها نظام صدام حسين في تفادي وعرقلة إجراءات نزع السلاح.

تبدو إدارة بوش ملتزمة بتطوير صورة كاملة لبرامج الاسلحة العراقية، حتى اذا ثبت انها كانت اقل خطورة مما قيل حولها. هذه المهمة في العراق باتت صعبة شأنها شأن إجراءات وخطوات اخرى بسبب الأخطاء المبكرة، اذا تعرضت مواقع رئيسية لعمليات سلب ونهب، واختفت بالتالي، الأدلة التي يمكن الاستفادة منها، اذ حدث ذلك بسبب عدم وجود حراسة عليها. وفي وقت لاحق تم جمع عدد هائل من الوثائق بانتظار التحليل بواسطة خبراء ولغويين، وهي عملية تستغرق وقتا طويلا.

وأخيرا، فإن العراقيين الذين لديهم معلومات حول برنامج الاسلحة المحظورة يعيشون في خوف من الاعتقال بواسطة الاميركيين، او الاغتيال نتيجة تهديدات عراقية داخلية. معظم علماء اسلحة الدمار الشامل العراقية قضوا الصيف في السجن، فيما ظل علماء ومهندسو الصف الثاني، الذين عملوا في برنامج الاسلحة المحظورة، في خوف مستمر من احتمال إلقاء القبض عليهم بواسطة القوات الاميركية ليواجهوا مستقبلا مجهولا، فهؤلاء لم يجدوا ما يحفزهم على التعاون في هذه الشأن.

يبدو ان كاي اتبع مسارا مهما في عملية التقصي فيما يبدو، لذا من المتوقع ان يكون هناك وصف يمكن التأكد من صحته ومصداقيته لبرامج وسياسات الاسلحة المحظورة. ومن الضروري ان تكون العملية برمتها غاية في الدقة، فهناك الكثير ممن لديهم معلومات حول هذه القضية بمن في ذلك خبراء في الامم المتحدة ومسؤولون عراقيون سابقون سيكون لهم حكمهم في نهاية الامر على مصداقيتها.

*مفكر وعضو بمركز ودرو ويلسون ونائب رئيس فريق انسكوم السابق للتفتيش خلال الفترة من 1993 الى 2000.

* «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»