ديمقراطية في الفضائيات العربية (3 من 3)

TT

ان المشكلة الاساسية عند أي حديث عن الفضائيات العربية وديمقراطيتها انه يظل نظريا بحتا، فليس هناك ارقام موثوقة عن عدد المشاهدين ولا طبقاتهم ومستواهم الاجتماعي، وليس هناك قياسات دقيقة لانواع الرأي العام وتوجهاته وانواعه بين مؤقت وثابت وموسمي، وليس هناك مع وفرة كليات الاعلام تحليلات معمقة وعلمية لمضمون البرامج وطبيعة الاستجابات، وثالثة الاثافي ان المادة الخبرية والوثائقية يتم ضخها غالبا من قبل المؤسسات العالمية المعروفة التي تسيطر على سوق الاعلام الدولي مما يجعل التبعية في الحقل المعلوماتي حتمية الا في حالات قليلة ظهرت اثناء حرب افغانستان ثم اختفت بعد ان تدخل السياسي في اختصاصات المهني وشل حركته، وأكبر مثال على ذلك ان مراسلي «الجزيرة» كانوا يحصلون على مواد خاصة من جبال تورا بورا بافغانستان، فلما تمركزت القوات الاميركية في قاعدة (السيل) قبل الحرب على العراق تراجع تميزهم مع ان تلك القاعدة العسكرية لا تبعد أكثر من عشرين ميلا عن مكاتب «الجزيرة» في العاصمة القطرية.

ومع كل الاثارة والتهييج والتخصص في برامج الانفعالات المحبوسة والقول بحريات مطلقة وعالية، فان برنامجا واحدا عن الشرعية السياسية للانظمة العربية لم يدرج أويبث على حد علمي في أية قناة عربية، وذلك يعود الى دقة آليات التحكم المتقنة بالاسماء والموضوعات، فهناك قوائم متعارف عليها بالممنوعات عند كل محطة.

وعلى ذكر القوائم السوداء في الفضائيات ليكن معلوما ومؤكدا ان عند كل فضائية لائحة موضوعات ممنوع الاقتراب منها ولائحة اخرى بشخصيات واسماء لا يجوز التعامل معها، وعدم التقيد بتلك القوائم يضع الاعلامي في متاعب لا حصر لها أقلها فقدان عمله، وفي العادة فان المحطات الغبية تطبع قوائم من هذا النوع للمختصين اما المحطات الاذكى فتكتفي بتبليغها شفاهيا وفي هكذا مناخ يفتقر احيانا حتى الى حرية اختيار الضيوف وتكون التربية الديمقراطية عادة اول الضحايا.

ان العمل في الفضائيات العربية يشبه السير في حقل ألغام لا تعرف أيها سينفجر بك؟ ومتى؟

وفي البرامج السياسية حيث الحساسيات أكبر وأخطر توزن كل كلمة بميزان ولا يجري التحكم بالمقدم وحده من خلال نصوص جاهزة على ـ الاوتوكيو ـ انما يصل التحكم الى ما يقوله المشاهدون في البرامج المباشرة، فأكثر من نصف المكالمات يجري ترتيبها سلفا مع اصحابها ثم تعرض وكأنها طبيعية وتلقائية من مشاهدين متابعين، وما يخرج عن الحدود المرسومة من المكالمات الوافدة على المقدم ان يفتعل أي موقف ليقطعه ويوجه الحوار نحو هدف آخر أقل حساسية ويدخل ضمن المسموح به في اللوائح المتفق عليها.

ومن المعروف لخبراء الاعلام والمتابعين ان استراتيجية الفضائيات العربية واجندتها الخفية تنهض على ثنائية مركبة، فهي تقنع مشاهدها أولا بأن واقعه وما يحدث امامه أمر حتمي لا مجال لتغييره ثم توحي له ثانيا بأن أي تغيير يحصل سيكون باتجاه الاسوأ لذا من الافضل ان تظل الامور على ماهي عليه من دون تغيير.

تحتاج الديمقراطية كما يقول (روبرت.أ.دال) ابرز دارسيها، الى عدة شروط منها عدم وجود هيمنة أجنبية واقتناع المجتمع باقتصاد السوق والسيطرة على العسكر والشرطة بوساطة موظفين منتخبين، وهذه العوامل مع مؤسسات المجتمع المدني جميعها غائبة في بلادنا لذا يظل كلام الفضائيات العربية عن الديمقراطية مجرد كلام في الهوا.