مجبر أخوك لا بطل

TT

للجبناء شجاعات لا تقل عن شجاعة الفرسان، وهي أحب لنفسي لما تنطوي عليه من سلامة الرأي واحتقار لشأفة القوي. في مسرحية لبرخت، يقول الحاكم المستبد لأحد الرجال: هل تخدمني ام لا؟ لا يجيبه الرجل. يقوم بخدمته صامتا حتى يهلك الحاكم من الاكل والكسل فيموت. عندئذ يقف الرجل على قدميه شامخا على قبره ويعطيه الجواب: «لا».

عبر ابن الجهم عن شجاعة الجبان ايضا عندما طلب منه الخليفة منازلة الخصم. فركب حصانه وحمل معه زاده وخبزه وتوجه نحو فارس العدو. وعندما اقترب الاثنان من بعضهما، قال له: هل تسمح لي بتناول طعامي قبل المبارزة؟ فسمح له ووقف ينتظره. ثم قال له، لم لا تشاركني في الاكل؟ انه طعام طيب. فشاركه. وبينما كانا يتناولان الغداء، قال له، اتعرفني؟ قال لا. فقال له، اذن فلم تريد ان تقاتلني ونحن بيننا هذا الخبز والملح؟ عاد الفارس الى قومه وعاد الشاعر الى خليفته وكفى الله المؤمنين شر القتال.

يروي العراقيون حكاية الجبان البصراوي الذي كان واقفا على حافة شط العرب في يوم عاصف تعالت فيه الامواج وتضاربت. ثم سقط طفل في الماء. نظر القوم الى بعضهم البعض عسى ان يتطوع احد ويخاطر بحياته لانقاذ ذلك الطفل المسكين. اخيرا رأوا رجلا يلقي بنفسه في الماء ويصارع الامواج المتلاطمة حتى يمسك بالطفل ويسبح ويعيده سليما الى الشاطئ. وبينما كان الجمهور يهتفون ويصفقون للرجل وقد ابتلت ثيابه وانقطعت انفاسه، التفت اليهم وقال: «هذا أي ابن حرام اللي دفعني بالشط؟»

ولكن للعراقيين حكاية اظرف واغنى بالموعظة والدلالة من تلك الحكاية. يقولون انه اثناء الاحتفال بيوم ميلاد الرئيس المنتصر، حضرت وفود اجنبية غفيرة الى العاصمة العراقية. وطلب صدام من ابنه ان يأخذهم ويفرجهم على ما عنده من أسود وفهود في حديقة الحيوانات الخاصة به. استجاب لطلب الوالد فاقتادهم الى ما عنده من حيوانات مفترسة مثله. وبينما كانت زوجة رئيس الوفد الروسي تمسك بمنديلها، هبت ريح عاتية ولقفته من يديها والقت به في داخل قفص الأسود. نظرت بوجه زوجها فنظر هو في وجه احد الحرس الروس وقال له: اذهب! ادخل القفص وائتنا بالمنديل. فاعتذر الجندي وقال: «آسف. انا صاحب عائلة وليس لهم غيري من معيل».

وعندئذ التفت رئيس الوفد الامريكي الى احد رجال الـ «إف.بي.آي» وقال له: «اذهب انت وائتنا بالمنديل للسيدة حليفتنا». قال له «آسف! انا صاحب عائلة. وليس لهم غيري من معيل».

اخيرا التفت عدي الى احد حراسه من ضباط الحرس الجمهوري وقال له «اذهب انت واجلب لنا المنديل». ضرب الضابط العراقي التحية لعدي، بطل العروبة وقرة عين الفضائيات العربية، ثم مضى ودخل القفص وصارع الأسود ولم يخرج حتى حصل على المنديل وعاد به.

انطلق الحاضرون يصفقون له ويثنون عليه. ثم سأله احد المراسلين الاجانب «هذه شجاعة خارقة ومخاطرة كبيرة، ما الذي حفزك عليها؟». فأجابه الضابط قائلا: «انا صاحب عائلة وليس لهم أي معيل غيري».