عندما يختلط الابتهاج بالخوف والأمل

TT

هل من المعقول أن يساور من قرأ وسمع بالانتخابات البلدية السعودية المقبلة شعورٌ بالخوف؟ وما سر اختلاط الابتهاج لهذه الخطوة الإصلاحية الهامة بالخوف، والخوف من ماذا؟ شعور غريب في وقت عصيب!

جلست متأملاً دوران عجلة الإصلاح التي بدأت تأخذ صفة الجدية في مراحلها الأولى والتي أتمنى ـ كما أنا واثق بأن السواد الأعظم في السعودية يتمنون ذلك ـ أن تستمر هذه الجدية في مراحل التنفيذ، وما زلت كذلك حتى شع نور الانتخابات البلدية في مخيلتي ليبين لي طريقاً وعراً صعباً ركوبه، وظهرت لوحات إرشادية بأسهم واضحة تشير إلى نهاية الطريق بعنوان «المدنية من هنا».

لقد كان لا بد من هذه اللوحات الإرشادية لوعورة الطريق واختلاطه بطرق تؤدي إلى صحراء الهلاك، طرق يجب تجنبها في أي حال من الأحوال، وفجأة ومن غير مبررات أتت سحابة سوداء طمست نور ذاك الفجر واختفت معها اللوحات الإرشادية. اكفهرت تلك السحابة وضج ضجيج رعدها وأخذ برقها يتربص بالأبصار ليعميها، وقد كان برقها سريعاً وقصيراً في ضيائه حتى يكاد يضلك بوهم ضيائه وعدم إعطائك الفرصة لقراءة لوحات الإرشاد تلك، فقلت في نفسي: ما هذه السحابة المظلمة المضللة؟ ولماذا تريد أن تحجب إرشادات الانتقال إلى المدنية في ذاك الطريق الوعر؟ ولماذا تحاول تضليلنا لنسلك طريقاً يؤدي إلى صحراء الهلاك؟ ولماذا في هذا الوقت بالذات؟

الإنسان العاقل لديه مقدرة على تحليل الأمور بما وهبه الخالق من عقل، ولقد ذكّر بذلك في كتابه العزيز وفي أكثر من موقع بقوله «كَذلِكَ نُفَصّلُ الآياتِ لقومٍ يَتَفَكَرون». ولكن مع هذا نرى عجائب الأمور مثل من كاد أن يهلكه الظمأ وحين وجد ماءاً ينقذ به حياته أخذ يتجرعه بدون مقدار فأهلكه. فلنقف قليلاً في محطة الانتخابات البلدية القادمة، فمشاركة الشعب في تحمل مسؤولية شؤون بلده تعتبر من ضروريات الحياة الكريمة. وإختيار الناس لمن يرونه كفؤاً ظاهرة حضارية إذا فُعّلت بضوابط للمصلحة العامة، ومن هذه الضوابط أن يكون المرشح من أوساط مهنية منتمياً لمجموعات لها فاعليتها في إنماء البلد، ولنسم تلك المجموعات ما نسميها مثل جمعيات، مؤسسات... الخ، متخصصة في جميع التخصصات، فعلى سبيل المثال: الجمعية الطبية، الجمعية الزراعية، الجمعية التجارية، الجمعية الاقتصادية، جمعية طلبة العلم، الجمعية الإعلامية، الجمعية الثقافية، الجمعية الأكاديمية، وعلى أن تكون في كل مناطق المملكة، وأن يتم ترشيح اثنين من كل مجموعة من قبل مجموعته وأن يتم الاقتراع بين من رُشِح من قبل المواطن لتلك المنطقة على أن يكون فوق 21 سنة ولديه شهادة مهنية. بهذه الطريقة نكون قد أسسنا نظاماً مدنياً في الترشح والاقتراع. وهذا لا يخص الانتخابات البلدية فقط بل يشمل قاعدة أكبر من ذلك. هنا نكون قد هيئنا زادنا للبدء بالسير في ذلك الطريق الوعر مزودين بمصابيح لتبين لنا لوحات الإرشاد. أما إذا جعلنا الترشيح والاقتراع مقرونين بمواقع جغرافية ومناطق ومدن وقرى فقد أحيينا القبلية المدمرة التي تكونت منها تلك الغيمة السوداء الخالية من المطر والمؤذية برعدها وبرقها، وأصبحت خطواتنا التي ظننا أنها إصلاحية متجهة إلى الوراء في اتجاه صحراء الهلاك.

لا مكان لنا في مجتمع قبلي وإن أجبرتنا الظروف على ذلك (وفي مجلس الأمة في الكويت عبرة لنا)، فلا بد أن نقتحم ذاك الطريق الوعر للوصول للمجتمع المدني الذي أمرنا ربنا به لتوفير العدالة والحياة الكريمة.

وهنا يأتي الأمل وهو المدة التي وُضِعت (سنة من الآن) عسى أن نتجنب الارتجالية في وضع القوانين، وأن نؤكد أن هذه الانتخابات تعتبر وسيلة وليست غاية في بناء وطننا والنهوض بأمتنا للسير إلى الأمام. والله من وراء القصد.

[email protected]