جموع الشباب المنبتة في أعماق المدن الأميركية

TT

مع حالة الحرب التي تعيشها الأمة حاليا، لا تجد الاوضاع المزرية التي يعيش فيها الملايين من الشباب الأميركي أدنى درجة من الاهتمام. وبينما تحاول الولايات المتحدة إيجاد الطرق الملائمة لدفع نفقات تدخلها في العراق، فإن ملايين الشباب تحت سن العشرين وخاصة في المدن، يهيمون على وجوههم دون هدف من يوم إلى يوم. لقد لفظتهم المدارس وأماكن العمل، وكما قلت في هذا العمود من قبل، تخلى عنهم الأمل كذلك.

المعلومات الآتية من شيكاغو، وهي تمثل أوضاع كل المدن الكبرى، تبعث على اليأس. فمعدلات التساقط من التعليم وصلت إلى أعلى مستوياتها حاليا. وعدد سكان شيكاغو بين سن 16 و24 الذين غادروا المدارس ولم يستوعبهم سوق العمالة وصل إلى 22 في المائة. المصطلح الذي يستخدم في وصف هؤلاء الشباب الذين لا يملكون صفة إيجابية هو «الشباب المنبت». ويعيش أغلب هؤلاء بنفس طريقة الشباب في فترة الكساد الكبير. فهم يناضلون ويبذلون جهودا خارقة، أغلبها غير قانوني، من اجل مواصلة الحياة. وبعضهم بلا مأوى.

ومن بين سكان شيكاغو بين 20 و24 عاما، هناك أكثر من 26 في المائة من العاطلين والمتساقطين من النظام التعليمي. وعندما تقصر الإحصائيات على السود وذوي الاصول اللاتينية، فإن المعدلات تزيد بكثير. فبين السود من سكان شيكاغو بين 20 و24 عاما هناك 45 في المائة خارج النظام التعليمي وبلا وظائف. وهذا وضع لا يمكن تجاهله مطلقا. وقالت الدكتورة نيتا فوغ، كبيرة الاقتصاديين بمعهد دراسات سوق العمل، بجامعة نورث إيسترن، والمشاركة في تأليف كتاب عن التعليم وسوق عمل الشباب بإلينوي:

«الفشل في إكمال الدراسة الثانوية ليس أقل من انتحار اقتصادي». وقد لاحظت عند تقديم استنتاجاتها الأسبوع الماضي، أن المرحلة العمرية 16 إلى 24 سنة هي الوقت الذي يلجأ فيه الناس إلى «مراكمة رأس المال البشري عن طريق الحصول على التعليم الرسمي أو نيل الخبرات في سوق العمل».

أما الشباب الذين يحرمون من هذه التجربة بصورة كاملة أو شبه كاملة، فإنهم يواجهون عقبات كأداء في مجال العمل تستمر كل حياتهم. وتتحول الصعوبات التي يلاقونها إلى مشاكل بالنسبة للمجتمع ككل. ومن النتائج المباشرة لهذا الانقطاع عن النظام التعليمي وعن سوق العمل، ارتفاع معدلات الجريمة واستخدام وتجارة المخدرات وتفشي ظاهرة العصابات. ومن الآثار الأقل بروزا والأكثر مأساوية، فشل هؤلاء الشباب الأصحاء الصغار السن، من الرجال والنساء، في تحقيق ممكناتهم الإنسانية وممارسة حياة مشبعة وبناءة.

في زيارة سابقة إلى شيكاغو تحدثت إلى شاب يسمى أودري روبرت. وقد قال لي: «ما تسمعه أنت في الأخبار يمثل حياتنا اليومية. فقد رأيت فتيات يغتصبن ويضربن. بل رأيت شابا يقطع رأسه. وقد حدث هذا أمامي مباشرة». ولم أزد على أن قلت: «يا إلهي».

هناك حوالي 100 ألف شاب وشابة بين سن 16 و24 خارج المدارس وبلا عمل في شيكاغو، وهناك حوالي 5.5 مليون شاب في مثل هذا الوضع على مستوى الولايات المتحدة. وبدلا من أن نمد إليهم طوق النجاة، فإننا نضع في طريقهم العقبات للالتحاق من جديد بالنظام التعليمي وبسوق العمل.

وكانت نتيجة تدخل الحكومة الفيدرالية في شؤون المدارس العامة في أميركا أن زاد عدد المتساقطين عن الدراسة لأن مديري المدارس شددوا من صرامة امتحاناتهم حتى يتخلصوا من الطلاب الذين يقفون على الحافة. وفي نفس الوقت فإن دعم الحكومة للبرامج المصممة خصيصا لتدريب الشباب وتوسيع فرص التحاقهم بسوق العمل، قد تلاشى تماما.

نفذت الدراسة التي قامت بها فوغ بدعم من الشبكة البديلة لمدارس شيكاغو، والتي تحاول تركيز الاهتمام الوطني على معاناة هؤلاء الشباب خارج النظام التعليمي والبعيدين عن سوق العمل. وقد بلغ الموقف من السوء بحيث يتخيل المرء أننا نبدأ من الصفر. قال جاك ووست، المدير التنفيذي للشبكة:

«أغلب الناس لا يعرفون هذا المدى من التدهور الذي وصلت إليه الأوضاع».

وقال إنه يرحب بالجهود المبذولة حاليا من أجل دعم مشاريع التعليم السابق لرياض الأطفال والتعليم المبكر، «ولكننا نحتاج إلى صورة أكثر شمولا لحياة هؤلاء الأطفال في كليتها. ولا يمكن أن نتركهم يسقطون من حالق عندما يصلون إلى سن 15 أو 16 سنة. إن هؤلاء الأطفال لا يفعلون شيئا في الوقت الذي يفترض فيهم أن يعانقوا الحياة بكل عنفوانها».

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»