عبرة محكمة جرائم الحرب

TT

بعد تردد وتلكؤ لم تكن الاعتبارات السياسية بعيدة عنهما، وقعت الولايات المتحدة واسرائيل على معاهدة تشكيل اول محكمة جنائية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب بحيث ارتفع عدد الدول الموقعة عليها الى 139 دولة، علما ان المحكمة، التي ستتخذ من هولندا مقرا لها، سوف تباشر مهامها بعد ان تصادق ستون دولة عليها. في تبريره لتوقيع ادارته على المعاهدة وهي في ايامها الاخيرة في البيت الابيض، قال الرئىس الاميركي بيل كلينتون، ان المحكمة ستسهم اسهاما هائلا في «ردع انتهاكات حقوق الانسان» في العالم، مؤكدا انه يتبنى المعاهدة لكي يؤكد «تأييد بلاده القوي للوزن الدولي ولمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب ضد الانسانية وجرائم الابادة أمام العدالة».

رغم ما يمثله توقيع الرئيس كلينتون على المعاهدة من دعم سياسي ومعنوي ضخم لها، فان توقيع الادارة الديمقراطية عليها يبقى مرهونا بتصديق الادارة الجمهورية عليها، ولا يبدو هذا التصديق مضمونا بعد اعلان وزير الدفاع الاميركي القادم، دونالد رامسفيلد، معارضته لها وتوقعه، علنا، بان «القيادة الاميركية للعالم قد تكون الضحية الاولى» للمحكمة. سواء صادق الكونجرس الاميركي على المعاهدة ام لم يصادق، تبدو المساهمة الابرز لكلينتون على صعيدها حمله اسرائيل على تغيير موقفها الرافض للمعاهدة واقناعها بالتوقيع عليها في ربع الساعة الاخير المحدد لذلك، الامر الذي يؤكد حظوة كلينتون وموقعه المؤثر لدى (رئيس وزراء اسرائيل) ايهود باراك، خصوصا انه سبق للحكومة الاسرائيلية ان اتخذت قرارا برفض المعاهدة خوفا من ادانة بعض زعمائها بتهم ارتكاب جرائم حرب. من هنا مبرر التساؤل عما اذا كان توقيع اسرائيل على المعاهدة رافقته «ضمانات» خفية بعدم تعرض المحكمة للعديد من ممارساتها التي تنتهك حقوق الانسان، على غرار ما ذكر عن «الضمانات الصارمة» التي طالبت بها وزارة الدفاع الاميركية بألا يتعرض أي عسكري أو موظف حكومي اميركي في الخارج لاي ادانة من قبل المحكمة.

الجدير بالذكر ان المعارضة الاسرائيلية للمعاهدة كانت تتركز على بند يعرّف جرائم الحرب بانها نقل القوى المستعمرة، بطريق مباشر أو غير مباشر، لبعض السكان المدنيين الى الاراضي التي تحتلها، مما يشكل ادانة دولية للمستوطنات الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية والسورية المحتلة. مؤيدو قيام المحكمة الدولية لجرائم الحرب يأملون في ان تصبح هيئة دائمة تكفل تحقيق العدالة بسرعة وأن تشكل رادعا لاي انتهاك مستقبلي لحقوق الانسان.

وقد يصح في هذه المناسبة ان يضيف الجانب العربي المؤيد للمعاهدة أمله في ان تكفل المحكمة تحقيق هذه العدالة بطريقة منزهة عن اي «استثناءات».