فحول أم مهرجون...؟

TT

ظهرت أعراض الروائيين العرب على مؤلفي المسلسلات التلفزيونية، ونخاف ان تستشري وتستفحل استفحال فحولة عامر بشر عبد الظاهر مدوخ الأرامل وفاتك المطلقات، وثاقب قلوب العذارى! فذاك البطل «الزيزيني» كامل الأوصاف ومفصل وفق مقاسات الروائيين العرب، بحيث تقع في «دباديبه» كل من تراه وتذوب به غراما كل من تنظر إليه.

وان لم تتذكر النموذج الروائي كاملا، فعليك بروايات حنا مينه فهي خير من مثلت ذلك النموذج الذكوري الرهيب الذي خلقه المخيال الروائي العربي ليسلي به النساء ويكشف بوساطته عن عقد الرجال.

وحنا مينه هو الأكمل على هذا الصعيد، فالنموذج يرافقه منذ الشراع والعاصفة وعبورا بالياطر والمصابيح الزرق وحكاية بحار، وحتى آخر رواية خطها قلمه، فأبطاله يفعلون الاعاجيب ويدوخون نساء اوروبا والعالم العربي والمعسكر الشرقي وحين تخلو الأرض على هذا الجانب من المغرمات المتيمات ينتقل تأثير ابطال الروايات العربية الى الصين.. فشكرا يا استاذ حنا على نشر رايات الفحولة العربية عند السور العظيم.

والمرحوم جبرا ابراهيم جبرا له في تكريس هذا النموذج نصيب وخصوصا في روايته الأهم «البحث عن وليد مسعود»، وكذلك الحال مع عبد الرحمن منيف الذي لم تخل رواياته الاولى من هذا النموذج العربي الفذ. اما اكثرهم وضوحا على هذا الصعيد فهو الطيب صالح في رواية موسم الهجرة الى الشمال، وبه تكتمل المساهمة الجماعية في تكريس هذا النموذج الغريب الذي خلقته المخيلة الروائية العربية، وجعلته منتصرا على كل الجبهات تهربا من هزائم الواقع المرير.

والبطل الروائي العربي صاحب الفحولة الفائضة لا يتعرض لأية هزة عاطفية ولا يجوز لأية امرأة على وجه الكرة الأرضية ان ترفض الوقوع في حبائله او تقول له كلمة لا، فهو مثل السحرة في القرون الوسطى تسبقه شبكة غير مرئية تطوق الضحية وتأسرها وتقدمها لقمة سائغة لعينيه المسبلتين الحالمتين وفق احدث المواصفات الرومانسية الزيزينية.

ومن تقاليد ذلك البطل ان ينتصر عاطفيا على كل غريم وان يترك خلفه متيمة في كل بلدة ومدينة يعبرها، ليطير صيته بين القرى والدساكر وتصبح مهامه المستقبلية ميسرة، فمبجرد ان تسمع عذارى بلدة ما بقدومه يرتمين في احضانه منذ وصوله ومن أول نظرة، واحيانا لا حاجة للنظر، فالأمور ناجزة بإشارة من الابهام.

وهذا النموذج فارس عفيف نظريا لا يلغ في اناء سبقه الكلب إليه «وحط بوزه فيه» لكنه يفسد الآنية جميعها ويتركها لمن بعده من الكلاب السائبة والساغبة.

لقد كان وجود هذا النموذج في الرواية العربية مصيبة فنية كاملة تدل على قصورنا العقلي، والفني وها هو النموذج ينتقل بعيوبه كاملة الى المسلسلات، فلا حول ولا قوة إلا بالله على هذه المصائب التي تخطها اقلام فحول تذكرنا فحولتهم الفنية المبالغ فيها بفحولة السلطان عبد الحميد الذي سلبته الطبيعة ـ كما يقولون ـ القدرة على الفعل، فملأ جدران الحرملك العثماني بالثقوب غير المنظورة، وصار يكتفي من المجد المؤثل بفحولة العين.

ان هذه الفحولة المفترضة ـ وعذرا يا روائيينا وكتاب مسلسلاتنا ـ فحولة زائفة ومفبركة وتحت الشبهات. فالفحل الحقيقي انسان حقيقي ينجح ويفشل، ولا عيب من وضع بعض العيوب فيه ولا من زخرفته ونمنمته ببعض نقاط الضعف الانساني. فنأمل ان تنتبهوا الى ذلك في المستقبل حتى لا تختلط شخصية الفحل بشخصية المهرج فتضحك النساء على خيبة فحولنا في مواقع لا يجوز فيها التهريج البهيج داخل المخادع وخارجها.