حوادث المساجد والكنائس

TT

الانفجار الذي اصاب كنيسة في اندونيسيا في يوم عيد الميلاد حرك مخاوف الكثيرين من ان يصاب مواطنو اكبر بلد اسلامي بفتنة داخلية خطيرة بعد ان تخلص من فتيل تيمور الشرقية. واعطى ذلك الانفجار مفهوما متعجلا حيث اعتبره البعض دليلا على عدم نمو الغلو الديني وتزايد التطرف السياسي في المنطقة الاسلامية وتحديدا ضد الاديان الاخرى مثل المسيحية. ودخلت في حوار مع احدهم الذي تمسك في الربط بين مجموعة احداث في جنوب السودان وجنوب شرقي آسيا ورهائن ابو سياف كأدلة دامغة على هذا التطرف من جانب واحد.

قلت له ان احدا لا يستطيع ان يشك بوجود ظاهرة العنف السياسي في العالم الاسلامي وتزايد وتيرة العنف في العالم الثالث عموما مقارنة بالعنف القائم في العالم الصناعي، لكن هذه ملامح طبيعية لدول لا تزال تنمو مقارنة بدول صناعية اكملت بناءها السياسي والثقافي. والخطأ هو ان تقرأ الاخبار بمعزل عن بعضها فتبدو للمسيحي انها حرب عليه وتبدو للمسلم انها مؤامرة ضده وهكذا. ولو اخذت حادثتين وقعتا في وقت متقارب في مكانين اسلاميين لربما سهل علينا فهمها. فانفجار الكنيسة الذي دبر في عيد الميلاد واودى بحياة 14 شخصا وقع في نفس الاسبوع الذي هجم فيه مسلم متطرف على مسجد في السودان وقتل نحو 27 مصلياً، فالحادثتان متشابهتان وفاعلهما سببه التطرف الذي هو نتيجة عدم اتزان في الرؤية. والتطرف او الغلو، هو ما ادركه المجتمع الاسلامي وحاربه منذ ان كان اكثر طهرا واسبق قرنا من عصرنا، وثبت انه ليس لأحد ان يحاربه الا بالتوعية. فالفاعل في جاكرتا او في الخرطوم الذي ارتكب الجنايتين هو نفسه ضحية للتطرف الذي يعشش في منطقتنا.

وفي السودان، مثل اندونيسيا، لم يجد تأييدا بين احد من الفرق الاساسية. حتى دعاة الانفصال في اندونيسيا شجبوا الحادثة فور وقوعها واعتبروها عملا اجراميا، رغم انهم اعداء النظام. كما حدث الشيء نفسه بين المتنافسين السياسيين السودانيين الذين استنكروا جريمة مذبحة المسجد. ولأن الوضع في اندونيسيا اكثر توترا فان الحادثة استغلت من قبل البعض، خاصة في الغرب، للادعاء بوجود هجمة على الاقلية المسيحية في البلاد. لكن احداث اسيه، وهو الاقليم الذي يطالب الآن بالانفصال، ليبرئ تيمور من تهمة الانفصال الديني. فهذا الاقليم يسكنه اربعة ملايين شخص كلهم مسلمون بخلاف تيمور ذات الاغلبية المسيحية. وكان يقال ان مطلب اهلها له اسباب دينية. فلما يطالب مسلمون بالانفصال عن حكم جاكرتا؟ المشكلة قديمة وعمرها ربع قرن من الاضطرابات في هذا الاقليم ويبدو ان الحكومة قررت الاعتراف بجذور المشكلة بدلا من محاربتها بالرصاص ووافقت على اعطاء الاقاليم حكما اداريا شبه كامل لتتخلص من اعباء المركزية وفي الوقت نفسه تضع المشكلة واللوم ايضا على كاهل الادارات المحلية، فلا يصبح الحل في كل مرة يقع فيها قصور وظيفي هو طلب الانفصال.