كلمة واسمعوها

TT

توالت رسائل كثيرة الى هذه الصحيفة تنتقد ما اقوله فيها بصدد المرأة والحجاب وبعض الممارسات والمعتقدات الاجتماعية. فيهم من انتقد اعتمادي على العقل واعتبره كفرا.

دعوني اعالج امرها بالصراحة والعقلانية والشجاعة الفكرية التي لم يربونا عليها. اولا ان هذه المواضيع لا تعنيني بشيء شخصيا. فأنا اصطدمت في اول شبابي بالضيم والمهانة السائدة في بلدي ومعظم بلداننا العربية واتخذت القرار بأن هذا العالم العربي موطن لا يصلح للعيش الحر الكريم وعقدت العزم على مبارحته في اول فرصة، وهو ما فعلته وانا في الثالثة والعشرين. ولم اعد للشرق لنحو ربع قرن، ثم اخذت اعود اليه لماما لأيام قليلة، بين الحين والآخر. قرار آخر اتخذته هناك وهو الا انجب اي ولد اذا بقيت في العراق. احمد الله الذي مكنني من تنفيذ كلا القرارين. لم انجب ولدا ليكون عبدا لصدام حسين وامثاله.

اذن فأمركم وأمر شؤونكم وما تفعلونه بحياتكم لا يعنيني بصورة شخصية مطلقا. ولكن وكما يقال الدم اثخن من الماء. والدم العربي (ربعه تركي) ما زال يجري في عروقي ويحرق احشائي واعصابي وانا ارى هذه الحالة المزرية التي آلت اليها عشيرتي. قرأت هذه الرسائل الكريمة والمخلصة وواجهت فيها انفاس القرون الوسطى تهب في وجهي. وبروح الاخلاص الاخوي الذي كتبتم به رسائلكم اسمحوا لي ان اقول ان هذه الكلمات بنفس روح الصراحة والعقلانية والشجاعة الفكرية التي لم يربونا عليها.

لكل امرئ من دهره ما تعودا.. وايضا ما اختاره لنفسه. لكم مطلق الخيار في ان تعيشوا بنور او ظلمة القرون الوسطى وبهدي شيوخ كتبوا ما كتبوا بالحبر والريشة ولم يحلموا بالكمبيوتر والانترنت والذرة والصعود للقمر او سمعوا بما كتبه داروين وانشتاين: لكم هذا الخيار، وهو خيار مريح، ولكن عليكم مواجهة تبعاته.

دعوني اذكركم بما قاله غاليليو بعد ان اجبرته الكنيسة على التراجع عن قوله بأن الارض كروية وتدور حول الشمس. قال: أعتذر وأسحب قولي، ولكن الارض ستستمر تدور حول الشمس.

اذا كان المطلوب ان اعتذر عما قلت، فأنا مستعد لذلك، فأمركم شيء لا يعنيني شخصيا كما قلت، ولكن العلم الحديث سيستمر في زحفه العارم والانترنت ستبقى تغزو بيوتكم بعجائب القول والتصوير والشات. والتكنولوجيا المتطورة ستكتسح كل ما هو كائن بما سيكون. ومن سيتخلف عن الركب ستأكله الذئاب. فمسيرة العلم والتكنولوجيا لها مالها على القيم الاجتماعية والفكرية واساليب العيش. لا يمكنكم حجر تفكير الطفل وتجميده في غرفة واطلاق العنان له في غرفة اخرى. العقل واحد. ومن يطلق العقل والفكر من عقاله يسود ومن يتلكأ يصبح عبدا لمن يسود.

وهو ما حصل، هكذا اصبحنا عبيدا للغرب ولاسرائيل ايضا، يفعلون بنا ما يشاءون. المسكين عبد الناصر اشترى احدث طائرات الميج وسلمها لطيارين بعقول فلاحين. دمرتها اسرائيل في عشر دقائق. المجنون صدام حسين انفق ثروة بلده على السلاح. سلمه لجيش من العبيد هربوا حالما زال السوط من ظهورهم.

يا سادتي هذا هو الخيار. اما ان نشق كفن القرون الوسطى ونزحف عراة مع الزاحفين، واما ان نقبل حياة القبور ونرتع بها كما يرتع المشردون في مدن الموتى المحيطة بالقاهرة: خير رمز لأمة ترفض النهوض.