أفريقيا تغلي بالتطرف.. وواشنطن تهادن

TT

يفكر كثيرون من خريجي المدارس الإسلامية في باكستان الآن في مغادرة البلاد تجنبا للاعتقال من جراء الهجمة الكبيرة التي تقوم بها الحكومة الباكستانية على هذه المدارس. كما يفكر بعض هؤلاء في التوجه لبلاد أخرى، فيما يشد المئات منهم الرحال إلى أماكن غريبة من بينها الشواطئ الافريقية. وقال محمد جميل، المتحدث الرسمي باسم هذه المدارس، الشهر الماضي: «ذهب حوالي 500 منهم بالفعل إلى جنوب افريقيا... ويقوم الآخرون بحزم أمتعتهم».

وقد لاحظت الولايات المتحدة هذه التطورات ولكنها لم تفعل شيئا للتصدي لهذا الخطر المتنامي، سواء عن طريق مواجهة اولئك الذين يصدرون التطرف أو عن طريق تشجيع الديمقراطية وترسيخها. فالأصوليون في الصومال وكينيا وتنزانيا اعتنقوا فلسفة الإرهاب، كما أن الطغاة غير المسلمين، مثل الرئيس الليبيري المخلوع تشارلس تيلور، اقاموا علاقات اقتصادية مع «القاعدة». ولكن الأمر الأكثر إزعاجا هو انتشار مدارس جامدة في تفسير الإسلام وهي تسيء اليه، والتي عرفت بندرتها في افريقيا جنوب الصحراء ولكنها ومع ذلك بدأت في إشاعة الفوضى والانقسام والفرقة والعنف بشرق وغرب افريقيا في نفس الوقت.

ففي كينيا هناك محاولات لتوسيع المد الإسلامي بالدعوة إلى تطبيق الشريعة، وهي ممارسات طبقت قبل حين في بعض الولايات النيجيرية. وقد حذر علي شي، رئيس مجلس الأئمة والخطباء من أن المسلمين في الأقاليم الساحلية والشمالية الشرقية سينفصلون إذا لم تطبق الشريعة، فيما تشهد تنزانيا أيضا اندفاعا مشابها.

الأمر الذي يستوقف مع مثل هذا العرض لآفاق الاسلام الجديدة في القارة السوداء هو أن قوات الأمن الحكومية لدولة مثل مالي المعروفة عامة بهدوئها، تمكنت قبل الزيارة التي قام بها هذا العام، الرئيس جورج بوش وبمساعدة من الأميركيين، من أن تلقي القبض على خمسة من المقاتلين المسلمين وطردهم من البلاد.

وهناك أنماط مشابهة في غرب افريقيا. ومع أن الحرب الأهلية في ساحل العاج ذات خلفيات معقدة، ولكنها، مثلها مثل الحروب التي تكون الخلافات الدينية إحدى عوامل اشتعالها، كما في كوسوفو والشيشان، اتخذت طابعا دينيا متطرفا. وهناك مقاتلون يرتدون قمصانا عليها صور اسامة بن لادن، ويتخذون خريطة البلاد خلفية لها، في الوقت الذي ما تزال فيه القوانين المتطرفة تنتشر وتزيد من حدة التوترات في نيجيريا، التي اعتبرها بن لادن «جاهزة للتحرير».

وفي هذا الوقت تشهد دول مثل السنغال وغامبيا والنيجر وموريتانيا وتشاد، وحتى مالي المعروفة تاريخيا بهدوئها وديمقراطيتها، درجات مختلفة من عدم الاستقرار، كما تشهد مظاهرات ومحاولات انقلابية.

أمام كل هذه الصورة الضبابية لم تفعل إدارة بوش ما هو أكثر من إرسال قوات خاصة، وتحاول تجديد شبكات مكافحة الإرهاب في كل من إثيوبيا وجيبوتي وكينيا وأوغندا وتنزانيا ومالي والنيجر وتشاد وموريتانيا. ولكنها تعمل في نفس الوقت على تحسين العلاقات مع القذافي، وتمدح السودان على «تعاونه الجيد» في مجال مكافحة الإرهاب.

كان على واشنطن بدلا من سياساتها الحالية أن تطلب من تلك الجهات إيقاف تصدير التطرف إلى افريقيا. وعليها كذلك أن تشجع التطورات الديمقراطية من خلال برنامج تحديات القرن وبتمويل منها. وإذا كان ما قاله الرئيس بوش صحيحا، وهو أن أميركا ملتزمة وعلى المدى الطويل والبعيد بدعم الديمقراطية في أفريقيا، فعليها أن تعي أيضا أن جهودا موازية لذلك الالتزام لا بد أن تبدأ أيضا بدرء الأخطار والمهددات التي تحدق بالديمقراطية.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»