هشاشة التكتل وضرورة الدولة المركزية

TT

يمكن تشبيه رابطة العالم الإسلامي، وفق ترتيبات متعددة بمنظومة عدم الانحياز التي دفنها الزمن بعد موت الاتحاد السوفياتي، ذاك التشبيه وإن كان نسبياً يكمن في هشاشة التكتل في المقام الأول، لأن دول العالم الإسلامي المتشعبة في ثلاث قارات، تفتقر إلى عدة عناصر لخلق تكتل ذي وزن.

وإذا قمنا بتحليل الناحية الآيديولوجية نجد أن مفهوم الإسلام كدين ونظام سياسي مختلف بين هذه الدول. ومن الناحية «الدينية» تتعدد المذاهب الإسلامية بصورة لافتة للنظر، بل يمكن أن يتعدد المذهب الواحد داخل ذاته منشطراً الى مذاهب أخرى لدرجة تجعل من الاستحالة للباحث ايجاد دولتين مسلمتين متجاورتين على مذهب واحد، ومن الناحية السياسية هناك تنوع في صورة الإسلام لدى الدول، فتركيا على سبيل المثال لا تعترف بالإسلام كنظام سياسي، وهناك دول أخرى تعطيه حق المشاركة السياسية مع باقي التيارات، كما أن هناك دولا أخرى تمارس الإسلام كنظام سياسي أوحد.

كما أن شعوب العالم الاسلامي ليست بأكملها ميّالة إلى التوجه الديني حيث ان نتائج الانتخابات في الدول الإسلامية تبين أن نسبة التصويت إلى الأحزاب اللبرالية لا يستهان بها.

والأكثر أهمية في هذا السياق أنه يتعذر وجود دولة مركزية ذات ثقل في العالم الإسلامي تكون المرجع السياسي، والتقني، والعسكري، وتقوم هي ـ أي تلك الدولة المركزية ـ بفرد جناحيها وحماية ذلك العالم الإسلامي، ريثما تقوم البقية بتغذيتها، مثل الاتحاد السوفياتي الذي كان يمثل ثقل الكتلة الشرقية، ومشرع نظرياتها ومراقب مصالحها، وكذلك الولايات المتحدة كانت وما زالت ثقل الكتلة الغربية وحمايتها خصوصاً في مرحلة الحرب الباردة.

إن عدم اكتمال النضج السياسي، في أغلب الدول الإسلامية، والاختلاف الواضح في الناحية الاقتصادية يقسم العالم الإسلامي إلى عدة مراتب كالتالي:

أ ـ دول العالم الصناعي الجديد.

ب ـ دول منتجة للبترول.

ج ـ دول متوسطة الصناعة والزراعة.

د ـ دول زراعية أولية.

فالاحتياجات الاقتصادية المتبادلة غير متجانسة، فمن الممكن بسهولة لأي اقتصادي ملاحظة أن الموجود في الدولة (أ) لا تستطيع الدولة (ب) شراءه، وما في الدولة (ج) لا يناسب احتياجات الدولة (ب)، و(أ) لا تريد شراء ما في الدولة (ج) وهكذا.

كما أن الوضع الاقتصادي المتفاوت يؤثر على الوضع «الجغرافي» أو «الجيوسياسي» حسب مصلحة الدولة. فهناك مثلاً أزمة مياه بين تركيا وسوريا والعراق، هذا غير خلافات الحدود المتعددة بين أغلب الدول، والتي لا تنتهي هنا إلا لتشب نارها هناك، وتبعاً لكل ما سبق من وضع اقتصادي وجغرافي يكون «السياسي» متكهربا من أقصى المغرب الاسلامي الى تخوم الشرق، مما يؤدي الى ان تفقد الدولة العلاقة مع الآخر الإسلامي، ويمكن الإشارة إلى «المغرب * الجزائر»، و«ليبيا * تشاد»، و«السودان* أريتريا»، و«سوريا * تركيا»، و«إيران * باكستان» حيث أن مجموعة دول العالم الإسلامي في الغالب تصب داخل مجموعة الدول المتوسطة أو الضعيفة، كما أن احتياجها للتقنية، والمساعدات المالية لتغطي ما قد يعتريها من أزمات مادية وعسكرية يجعلها تحت رحمة غيرها، لذلك فإن دول العالم الإسلامي تحتاج إلى حوار ثقافي متبادل لخلق اعتراف وتقارب طائفي وتطوير ما يمكن تطويره من تقارب أنظمة سياسية على أساس دائم من الإصلاح الاقتصادي يتم وفقاً لما يحتاجه الاقتصاد من إدارة حازمة ترعى مصالح الدولة، وتخلق تنمية داخلية تقوي مؤهلات الدولة مع مراعاة مصالحها الداخلية، وما تعكسه من احتياج خارجي، أمنياً واقتصادياً.

ويجب بعد ذلك دراسة فرص وحدة إقليمية، حتى وإن كانت ضيقة الأبعاد ـ على مدى استراتيجي ـ قد تكون نواة لمولد دولة مركزية تمثل الثقل الذي يحتاجه عالمنا الاسلامي مثل وحدة الألمانيتين اللتين صارتا مركز الثقل الأوروبي بالتعاون مع فرنسا، والى ان تنمي تلك «الدولة» المرتقبة نفسها أولاً وتنهض ثم تقوم بعد ذلك بالتقارب والتكتل مع باقي «ولايات» العالم الإسلامي، ينبغي ألا ننسى أن أمريكا اسمها السياسي «الولايات المتحدة» وكان في ما مضى من الزمان «اتحاد سوفياتي»، والآن يوجد «اتحاد» هادئ وبارد مثل طبيعة بعض شعوبه يسمى بالاتحاد الأوروبي.

* كاتب سعودي