في العراق: «م. ح. أ» = «م. ق. ث»

TT

من يتتبع شؤون العراق واحواله حاليا، لا يجد كثيرا من العناء عندما يقارن ذلك مع ما كان عليه قبل دخول قوات الاحتلال لتسلم مقاليد الحكم فيه. ولعل من الغريب ان نجد كثيرا مما كان ينخر في صلب الحياة السياسية والاجتماعية، لا تزال بذوره فاعلة وتعمل عمل الخلايا السرطانية وقدرتها على التهام الخلايا الخيرة في الجسم وتحولها الى خلايا ميتة تؤدي بصاحبها الى الفناء.

فما الذي تغير تحت غطاء الديمقراطية؟ وقبل ذلك اين هي الديمقراطية التي يعيشها الفرد في العراق؟ أليس من المبكي ان نسمع بعض المسؤولين في الحكم الآن يقولون بأن الفرد قد تحرر من القيود؟ ان القيود يا اخوتي لا تزال باقية، ولكن تم استبدالها من قيود حديدية أكلها الصدأ، الى قيود «ستينلس ستيل» ذات اللون الفضي مما ترك شعورا لدى النفس بأن القيود قد ازيلت.

نقول كلامنا هذا ونحن نعيش حياة الواقع المرير، فان النفس لم تتغير والامثلة على ذلك كثيرة، ومنها ما جدوى صدور ما يزيد على 150 صحيفة يومية محلية ولايحتوي أيّ منها إلا على الكلام الفارغ سواء بالسب او الشتم العلني؟ أهذا هو دور الصحف؟ هل هي هذه الافكار التي يجب ان نعبر عنها في الظرف الحالي، ام حاجتنا الى التفكير العميق وتصفية ما بداخل النفوس والرجوع الى اصول الثقافة والاخلاق؟ ثم ما هو اختلاف هذه الصحف عن سابقتها؟ فسابقا كانت هناك صحف قليلة ليس لديها ادنى تأثير على الرأي العام. والآن تضاعفت الصحف مئات المرات وايضا ليس لديها أي تأثير على الرأي العام، هذا اذا كان هناك رأي عام في كلا الحالتين. والتغيير الوحيد الذي طرأ هو دخول تكنولوجيا الالوان، فالمانشيتات في السابق كانت تظهر بلون واحد، اما الآن فهي ملونة. فالقضية يا اخوتي هي قضية الوان وليست قضية ديمقراطية وحقوق شعب. فالقيود لم تتغير الا بألوانها. هل هذا مايريده العراق الآن بعد ان ضحى سنوات عديدة على حد المثل العراقي المشهور ونقوله بمناسبة شهر رمضان المبارك «صام صام وفطر على جرية».

مقدمتنا هذه نجدها ضرورية للدخول الى الموضوع الاهم وهو «م.ح.أ» الآن مقارنة بما كان يؤديه «م. ق. ث» سابقا. الا ترون معي ان المجلسين يتفقان على المضامين «الثورية» الآتية:

1 ـ يرأس المجلس السابق شخص يمتلك من المؤهلات السلطوية ما يتيح له المجال وبعين ثاقبة ان يختار من يشاء من اعضاء لمجلسه، والذين يشترط ان يكونوا من ذوي الاكتاف العريضة والقوية القادرة على حمله مع الكرسي والهودج الذي يجلس عليه والسير به في موكب المبادئ، ولهذا فهو يسمى «قائد». والآن تغيرت التسمية الى «حاكم» وهي صفة مخففة للقائد ولكن يمارس نفس دوره التعبوي التسلطي البطولي، بحيث انه يعين من يشاء من اعضاء لمجلسه والراتب حسب الكفاءة، لكي ينادوا بالديمقراطية والطريق الجديد، وهي ايضا مبادئ في نظره كما كان سلفه.

2 ـ المجلس السابق مجلس صوري لأغراض «ترتيش» الصورة السياسية واظهارها بشكلها الذي يوحي بأن القرارات لا تصدر الا بعد مناقشات «مستفيضة» بالتأكيد ليست لها علاقة بالقرار، لأن القرار حتما قد تم اتخاذه من قبل رئيس المجلس ومن دون علم المجلس الموقر. والآن تجتمع الآراء وتكون ايضا هناك مناقشات حامية الوطيس بين اعضاء «م. ح. أ»، ولكن تبقى حبرا على ورق ما لم يذيلها الباب العالي (الحاكم المدني) بتوقيعه وباستخدام ريشة يتم تبليلها بحبر ماركة «المصلحة العليا للولايات المتحدة» وليس مصلحة العراق. فما هو الاختلاف، الاول ينظر الى مصلحته الخاصة والثاني ينظر الى مصلحة بلده الخاصة. أي ان المصلحة الخاصة متوفرة والحمد لله في كلا الحالتين.

3 ـ ما كان يمارسه أعضاء «م. ق. ث» من مفاسد في الموارد العامة واجهزة الدولة لا يختلف عما يمارسه اعضاء «م.ح. أ» حاليا. ففي السابق كان اعوان النظام يمارسون كل انواع الوساطات والمحسوبيات في جهاز الدولة من اجل مصلحتهم الخاصة، وكثيرا ما كانت تأتي اوراق بسيطة ولكن بمجرد وجود توقيع عليها من قبل احد الرفاق يكون هذا كافيا لأن يقوم أي وزير او مدير عام بنفسه بتلبية الطلب. والآن تأتي الاوراق بنفس الاسلوب الى الذين احتلوا المناصب الرفيعة لكي يقوموا بأداء دورهم الحضاري في تلبية طلب العضو الفلاني في «م.ح.أ»، أو تلبية الطلب للحزب الفلاني الذي يرأسه شخص مهم وصل الى العراق على ظهر دبابة آخر موديل. فما هو الاختلاف، الاعضاء السابقون وصلوا وهم يمتطون ظهور الشعب، والحاليون وصلوا بقوافلهم ممتطين دبابات الاحتلال. وفي كلتا الحالتين فان الشعب هو الذي يداس تحت الاقدام.

4 ـ ولو توسعنا في دائرة التشابه بين المجلسين الموقرين، نجد ان أعوان وابناء المجلس السابق كانوا يتسابقون في «خمط» أرقى الممتلكات والسيارات الفارهة امام انظار الجميع، بل يتم قبولهم في الجامعات وفي الاقسام العلمية التي تتناسب مع مؤهلاتهم (وهو مؤهل واحد فقط، هو قربهم من السلطة اللاعلمية). والآن يجري قبول ابناء واعوان «م. ح. أ» بنفس الاسلوب في الجامعات وامام انظار بقية الطلبة الذين ذاقوا الامرين وتحت اقسى الظروف من اجل ان يحصلوا على معدل يؤهلهم للوصول الى الجامعات.

الا ترون ايها السادة اننا نعيش حالة واحدة اختلفت فقط فيها الالوان. ولكن كلمة اخيرة وللحق نثبتها للتاريخ المشرق الذي وعدنا به مخططو السياسة الماوراء الاطلسية الى ابناء ما بين النهرين، نقول ان اعضاء المجلس الحالي ووزراءه يختلفون عن المجلس السابق بخاصية متميزة وهي حبهم الشديد لممارسة رياضتهم المفضلة (السياحة السياسية) وهي نمط جديد ابتدعته عقولهم عندما كانوا يناضلون خارج العراق. فما ان تعود مجموعة منهم من إيفاد كانوا فيه خارج العراق، حتى يتحضر قسم آخر لشد الاحزمة والسفر الى احلى البلدان تحت ذرائع مختلفة لم نحصل منها على أي نتيجة، ولكن موضوع اعداد جوازات سفر للعراقيين أمر صعب عليهم ان يقوموا به خوفا من منافسة العراقيين لهم على مقاعد الطائرات ويظلوا هم واقفين طوال الرحلة.

وهذا ما يقودنا الى سؤال جوهري يشغل العراقيين حاليا، وهو كيف سيتقاسم اعضاء «م. ح. أ» حضور حفلات الكرسمس والعام الميلادي الجديد حيث انها السنة الاولى التي يقضونها في العراق في الوقت الذي تعودوا فيه منذ سنوات على قضاء احلى ايام النضال السلبي في فنادق ومنتديات ومراقص اوروبا التي ارتشفوا منها جرعات المبادئ الاولى التي يطبقونها الآن في المختبر العراقي؟!

[email protected]