الفلسطينيون يميلون إلى انتظار جورج دبليو بوش.. وباراك يؤيد العراف الآيسلندي ويستعد لحرب شاملة

TT

الأسبوع الماضي اجتمعت القيادة العسكرية الاسرائيلية لبحث عدة سيناريوهات تدور حول موضوع واحد: الحرب. هذا بعدما كان رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك ابلغ الشعب الاسرائيلي ان الاقتراع له في الانتخابات المقبلة يعني الاقتراع للسلام، والاقتراع لمنافسه زعيم الليكود ارييل شارون يعني الاستعداد للحرب.

باراك نفسه التقى القادة العسكريين الاسرائيليين وطلب منهم الاستعداد لمواجهة تدهور في الوضع قد يبدأ الاسبوع المقبل، وقال لهم، ان كل شيء يعتمد على نتائج لقاء ياسر عرفات، رئيس السلطة الفلسطينية، بالرئيس الاميركي بيل كلينتون وما اذا كان جواب عرفات بالرفض.

خلال الاجتماعات لم يستبعد باراك والقادة العسكريون احتمال ان يعبر مؤيدو حركة فتح الخط الاخضر للمرة الاولى منذ اتفاق اوسلو عام 1993، والقيام بعمليات انتحارية في قلب اسرائيل، ولهذا طالب باراك بالاستعداد لاحتواء انهيار الاوضاع والتحضير لحرب عربية ـ اسرائيلية شاملة. وفي حال انهيار الوضع الامني داخل اسرائيل، قال باراك انه سيحمل السلطة الفلسطينية المسؤولية وبالتالي ستتخذ اسرائيل كل الخطوات العسكرية والاقتصادية «التي احجمنا عنها حتى الآن».

اللافت، ان تحضيرات باراك للحرب تزامنت مع تنبؤات احد الفلكيين الايسلنديين الذي زعم ان عام 2001 سيكون اسوأ من العام الماضي، وقال المنجم «فولكن» ان اسابيع العنف التي اوقعت اكثر من 350 قتيلا فلسطينيا ليست سوى مقدمة لحرب ستحصد مئات الآلاف من الضحايا هذا العام في الشرق الاوسط! في ظل هذه الاجواء الملبدة بالتخمينات والتحضيرات العسكرية والضغوط توجه ياسر عرفات الى واشنطن للقاء رئيس لم يبق على ولايته سوى 18 يوما، وقال احد المعلقين السياسيين في القدس، ان ذهاب عرفات لاجراء محادثات اضافية مع الرئيس كلينتون يعني انه يتردد في الاعلان عن رفض رسمي للمقترحات الاميركية، وربما تعني زيارته انه يقترب من الموافقة على هذه المقترحات او انه قد وافق عليها فعلا، لكن احدا من الاطراف المعنية مباشرة لم يبد اي تفاؤل بامكانية ان يحقق اللقاء اي تقدم باتجاه اتفاقية سلام.

ففي رسالة مفتوحة الى الرئيس الاميركي، ذكر ياسر عبد ربه، رئيس فريق المفاوضين الفلسطينيين، ان «المقترحات الاميركية الاخيرة لا تستوفي الشروط المطلوبة لتحقيق سلام دائم..»، ومن جهته قال باراك انه لا يعتقد ان بامكان الرئيس الاميركي التوصل الى اتفاق سلام قبل نهاية ولايته في العشرين من الشهر المقبل.. واضاف انه ابلغ كلينتون ان عرفات هو المسؤول عن اضاعة الوقت بتأخره في الاجابة على المقترحات الاميركية، «لقد كان امام كلينتون ثلاثة اسابيع منذ تقديم المقترحات، لكن عرفات احرق عشرة ايام من خلال طلب التوضيحات والتفسيرات مما يعني ان لا نية لديه في التوصل الى اتفاقية».

من ناحيتهم لم يتوقع المسؤولون الاميركيون جوابا حاسما من عرفات خلال لقائه بالرئيس الاميركي، اذ قال الناطق باسم كلينتون جاك سيورت «ان اللقاء هو لتحقيق بعض التفاهم المشترك حول الحد الاعلى والحد الادنى في ما يتعلق بالمقترحات (...) ان الاطراف لم تكن في اي فترة سابقة قريبة، كما الآن، بالنسبة الى اصعب واعقد القضايا». واوضح سيورت ان كلينتون قد يلتقي باراك «حسب نتائج محادثاته مع عرفات».

ولان باراك كان قد ابلغ كلينتون ان اسرائيل تريد ان تركز على مكافحة الارهاب، فقد علق على تصريحات الناطق الاميركي بان استئناف مفاوضات السلام يعتمد على «تدني مستوى العنف وعلى تجدد التعاون الامني بين الفلسطينيين والاسرائيليين»!، واضاف: «اذا جاءت دعوة الرئيس الاميركي بعد ان يتحقق هذان الامران، فيمكن ان ننظر بالامر»! وكان عرفات قد قدم 35 استيضاحا للاميركيين، وحسب عبد ربه، فإن الفلسطينيين مهتمون بالحصول على اراض متصلة ببعضها في الضفة الغربية، وعلى انسحاب اسرائيلي كامل. وان تتوفر لهم ضمانة بان الامم المتحدة هي التي ستشرف على تطبيق الاتفاق، وتشمل استيضاحات عرفات الاقتراح الاميركي الذي يمنح اسرائيل السيطرة على الحائط الغربي.

وبانتظار النتائج، كان تخبط باراك يزداد، فمن التحذير من حرب عربية ـ اسرائيلية شاملة، الى القول يوم الاحد الماضي انه اذا فشلت المبادرة الاميركية فان اسرائيل ستقدم على انفصال احادي عن الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة.

عدد كبير من المعلقين السياسيين يعتبر ان عرفات لا يمكن ان يحصل على صفقة افضل من التي عرضها عليه كلينتون، ففي ظل الخطة الاميركية يستعيد الفلسطينيون تقريبا كل الضفة الغربية (95%) وغزة، ولكن، ليس معروفا كيف يتحقق ذلك مع بقاء 80% من المستوطنين في الضفة؟

وذكرت تقارير ان الفلسطينيين قد يستعيدون السيادة على الحرم الشريف، رغم ان باراك نفى استعداده لتقديم «هذا التنازل»، لكن، بالمقابل، على عرفات ان يتخلى عن حق عودة اللاجئين، وهذا خط احمر ترفض اغلبية الفلسطينيين عبوره، من هنا يبدو تردد عرفات، ويعتقد انه اذا لم يحصل على مقترحات افضل من كلينتون فيمكنه ان ينتظر على امل ان الادارة الاميركية المقبلة (جورج دبليو بوش) ستكون اقل تعاطفا مع اسرائيل عما كانت عليه ادارة كلينتون، لكن المشكلة في هذا الاعتقاد، ان عدم توفر اتفاق في الاسبوعين المقبلين يعني حتما فوز المتشدد ارييل شارون في انتخابات رئاسة الوزارة الاسرائيلية. مصدر غربي، قال ان المفاوضين الفلسطينيين وصفوا هدف لقاء عرفات ـ كلينتون بانه للحصول على توضيحات، ولكن تحقيق هذا الهدف كان يمكن ان يتم عبر الهاتف او عبر الديبلوماسيين وليس بالضرورة من خلال اللقاء وجها لوجه! لكن من المؤكد ان للفلسطينيين تحفظات مشددة على الاقتراحات، ويرددون في لقاءاتهم الخاصة انه في استطاعتهم الحصول على دعم اقوى من الرئيس المقبل جورج دبليو بوش.

وقال غسان الخطيب انه يعتقد ان عرفات فقد الامل في التوصل الى تسوية في زمن كلينتون او باراك، لان ما قدمه الاثنان من اقتراحات لا يمكن ان يكون اساسا لاتفاق يقبله الفلسطينيون.

ويقول المصدر الغربي، ان الواقع القائم حاليا هو ان اغلبية الاسرائيليين والفلسطينيين لا تريد هذا العرض المقدم، والطرفان يستعدان لمواجهة المستجدات اذا ما فشلت المحادثات.

لدى وصوله الى واشنطن المح الفريق الفلسطيني الى اسباب رفض المقترحات الاميركية، وابرزها تقسيم الدولة الفلسطينية المقترحة الى ثلاثة كانتونات منفصلة، ولا حق عودة للاجئي 1948، وفصل جزء من القدس عن بقية الاراضي الفلسطينية. ويقول مصدر فلسطيني ان الاميركيين يمارسون ضغوطا كثيرة على عرفات، وهذا ليس بجديد، اذ منذ كامب ديفيد، عندما قُدمت لعرفات مقترحات اسرائيلية ـ اميركية وطُلب منه ان يقبلها او يرفضها، واذا رفضها فان الاميركيين سيحملونه مسؤولية الفشل، وهذا ما فعله كلينتون بعد كامب ديفيد، ولم يتغير الكثير بعد الانتفاضة الثانية، مع العلم ان التضحيات الكثيرة التي قدمها الفلسطينيون جعلتهم غير مستعدين لقبول اتفاق غير عادل.

ويضيف المصدر الفلسطيني، ان الخطأ الكبير الذي يرتكبه السياسيون والمعلقون هو عندما يعتبرون عودة اللاجئين العقبة الاخيرة في وجه السلام، فاللاجئون ليسوا بالعقبة انهم صلب الصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني، ويقول، ان قضيتهم هي الاصعب، اذ ان عددا من الفلسطينيين يمكنهم ان يعيشوا، بعد تسوية حول الارض، انما من غير الممكن تحقيق السلام من دون ان يشعر اللاجئون بالعدالة، فالسلام يجب ان يتحقق معهم ولأجلهم ولا يمكن ان يكون بالرغم منهم او ضدهم! ويقول المصدر الفلسطيني، ان الفلسطينيين يفضلون اتفاقا في عهد بوش. لانه من الصعب ان يقترح حلولا اسوأ من تلك التي اقترحها كلينتون، ثم ان الكثير من العرب والفلسطينيين يعتقدون ان بوش سيكون على الاقل اكثر عدالة من كلينتون، وبالتالي «لن نخسر اذا ما انتظرنا».

مصدر اميركي قال ان مقترحات كلينتون لا تلغي حق عودة اللاجئين الى وطنهم، ويعني بذلك «الدولة الفلسطينية التي ستقوم»، ولكن لا يتوقف احد المحليين الغربيين عند نقطة اللاجئين فقط بل يقول ان المتقرحات تتضمن نقاطا كثيرة غير واضحة، لا بل مؤذية للفلسطينيين، حتى ان صحيفة هاآرتز قالت «ان التسوية المتعلقة بالقدس وجبل المعبد توفر مكاسب مضاعفة عشر مرات بالنسبة الى امن الدولة، لا سيما انها تؤدي الى اعتراف بتعديل الحدود المتعلقة بالقدس..» ويضيف، ان الفلسطينيين سيحصلون على السيادة الفوقية على مجمع المسجد الاقصى انما تحتفظ اسرائيل بالسيادة تحت الارض، ويطالب الفلسطينيون بالسيادة الكاملة الفوقية والتحتية. وفي حين تحتفظ اسرائيل بنسبة 9% من الاراضي التي احتلتها في الضفة وغزة، الا انها تتحكم بالممر الذي سيقسم الضفة وسيتراوح عرضه ما بين 6 الى 10 اميال ويمتد من القدس غربا حتى البحر الميت شرقا. ثم ان القوات الاسرائيلية ستبقى في وادي الاردن لمدة ثلاثة الى ستة اعوام تسيطر على الحدود، وستحل بعدها قوات دولية. ان دولة فلسطينية قائمة على هذا الاساس الضعيف ستكون كيانا غير قابل للنمو، خاضعا اقتصاديا وعسكريا لجاره القوي.

ويضيف المحلل الغربي، لقد اعلنت اسرائيل انها بدأت تُسّرع الخطط لبناء سور كهربائي على طول خط وقف النار لعام 1967 ما بين اسرائيل والضفة الغربية، بكلفة 25 مليون دولار ويمتد 70 كيلومترا، فيغلق بشكل دائم المناطق الفلسطينية ويقضي على الاقتصاد الفلسطيني، وسيتزامن مد هذا السور مع بناء شبكة من الطرقات والجسور والانفاق كلفتها مليار دولار تتضمن طريقا سريعا (كلفتها 250 مليون دولار) لا مخارج منها الى غزة او الضفة، هدفها ربط المستوطنات باسرائيل، مما يعني الابقاء على فصل «عنصري الاسلوب» للشعبين.

السؤال الذي يطرحه المحلل الغربي هو: هل ينجح عرفات في اقناع كلينتون بادخال تعديلات جذرية على مقترحاته، فيضمن عرفات بالتالي سيطرته على معارضي الاتفاق مع اسرائيل وهم المجموعات الاسلامية ومن داخل منظمة فتح ايضا، ويضمن كلينتون صفحة «بيضاء» في تاريخه كرئيس اميركي، كما يضمن باراك فوزه وعودته الى السلطة؟ ويجيب المحلل الغربي: الثلاثة في حاجة الى اتفاق، المهم توفر الارادة السياسية والرغبة في تجنب حرب شاملة.