حماية الإسلام من الإرهاب ضرورة للأمن والاستقرار والسلام

TT

مؤلم ومحزن ومؤرق ان تستمر في شهر رمضان الكريم الذي يأتي في نهاية القرن عمليات الارهاب والاغتيال التي تقوم بها جماعات مسلحة تطلق على نفسها (اسلامية)، وهي ابعد ما تكون عن الدين، بل هي اشد حربا على الدين من اعدائه.

في السودان قام افراد من جماعة التكفير والهجرة بقتل وجرح عشرات من الابرياء المتدينين وهم بين يدي ربهم يصلون في مسجد السنة المحمدية في أم درمان، واعادوا لنا الذكريات الحزينة لحادث سابق مماثل وقع في أم درمان بنفس الصورة عام 1994، كما دفعوا بنا الى المقارنة بين هذا الحادث المؤلم، والجريمة التي ارتكبها ارهابي يهودي متطرف عندما اطلق الرصاص على المسلمين في مسجد الخليل عام 1995.

وفي الجزائر، تواصلت عمليات الذبح للنساء والاطفال بطريقة بشعة في شهر رمضان الكريم حتى زاد عدد القتلى على ثلاثمائة خلال عدة ايام، مما يظهر ان ظاهرة العنف والارهاب لم تتوقف بعد منذ بدأتها الجماعات الاسلامية المسلحة عام 1992.

هذه الظاهرة المأساوية المؤلمة التي تدفع الى الارهاب والاغتيال واطلاق الرصاص باسم الدين لا يجوز ان تواجه بالاهمال أو التهوين أو الصمت، بل تحتاج الى مواجهة حاسمة وشجاعة للبحث عن اسبابها واتخاذ افضل السبل لعلاجها، ليس عن طريق الاجراءات الامنية وحدها رغم اهميتها وضرورتها، ولكن عن طريق التعامل الشعبي الذي يرفض ما يقوم به هؤلاء الافراد المنتمون الى الجماعات المتطرفة والارهابية، والذين يشكلون اقلية لها مصالح خاصة.

وليس هناك من تبرير مقبول يمكن ان يقدمه هؤلاء الارهابيون لارتكاب هذه الجرائم الوحشية المتكررة لان الاسلام لا يحض على القتال والاغتيال وانما يحض على الجهاد بتحرير الارض والانسان، ومع ذلك فانه يجب البحث عن الدوافع التي تدفع هؤلاء الارهابيين المتشحين بثياب الاسلام زيفا الى ارتكاب هذه الجرائم التي يصعب ان تنبت من فراغ فلا بد من ان هناك اسبابا تعطي فرصة فريدة لوجود دعاة يحاولون عن طريقها استخدام الدين كتجارة.

في السودان لا يمكن عزل ما حدث من جماعة التكفير والهجرة ضد المسلمين في مسجد السنة المحمدية عن اسلوب جبهة الانقاذ الاسلامية التي وصلت الى الحكم بانقلاب عسكري عام 1989 واستندت الى رؤية دينية خاصة حاولت فرضها بالقسر على شعب السودان مما ادى الى زيادة اشتعال الحرب الاهلية، ودخول الدولة في ضائقة اقتصادية لم تشهدها البلاد من قبل، مما ادى الى هجرة الملايين ومعاناة الناس في الحياة اليومية، واعتماد النظام على المليشيات العسكرية وتوزيع السلاح على الافراد، وتشجيع الجمعيات المتطرفة واحتضانها، ومنها الجماعة التي حاولت اغتيال الرئيس محمد حسني مبارك في أديس ابابا وجماعة التكفير والهجرة التي قامت كما ذكرنا بحادث سابق مشابه باغتيال عدد من المصلين ايضا في أم درمان.

لم يحاول نظام الجبهة القومية الاسلامية مطاردة ومعاقبة الجماعات الارهابية المتطرفة، فلم يقدم للمحاكمة احدا من الذين حاولوا اغتيال الرئيس مبارك أو الذين ارتكبوا جريمة اغتيال المصلين في أم درمان، وواصل النظام اسلوبه في بذر بذور العنف في السودان الذي تميز بسماحة شعبه ورفضه العنف.

المثير ان حادث الاعتداء على المصلين في أم درمان قد وقع في وقت يحاول فيه النظام تجميل صورته عن طريق اعطاء قدر من الحريات واتاحة فرصة ضئيلة للتعددية الحزبية، واجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، وهو امر يدل على ان الامور لم تعد تحت سيطرته الكاملة كما كانت في الماضي، وان الجماعات المتطرفة التي سمح بها وشجعها قد خرجت عن طوعه، وواصلت الارهاب لحسابها الخاص.

والموقف في السودان لن يعود الى طبيعته المسالمة الا اذا توافرت فرصة عقد مؤتمر شامل لجميع القوى والاحزاب السياسية في شتى ارجاء السودان لاقرار دستور جديد يبني نظاما ديمقراطيا يحصل فيه المواطنون على حقوق متساوية مهما اختلفت القوميات أو الديانات، ويجتمعون جميعا على استخدام الكلمة بدلا من الرصاص والحوار المشترك بدلا من تكوين المليشيات.

وفي الجزائر لا يمكن عزل ما حدث في شهر رمضان الكريم عن الاحداث السابقة التي انفجرت فيها خلال التسعينات بعد الغاء الانتخابات عام 1992 ولجوء الجماعات الاسلامية الى السلاح والارهاب، وهو ما ادخل الجزائر في دوامة من العنف والدمار تتنافر في طبيعتها تماما مع وحدة الشعب الوطنية خلال ثورته ضد المستعمرين الفرنسيين لمدة سبع سنوات ونصف السنة فقد فيها الشعب اكثر من مليون شهيد.

ولكن المراقب يصدم بتجدد العنف والارهاب رغم عودة الجزائر الى الديمقراطية والتعددية الحزبية وانتخاب عبد العزيز بوتفليقة الذي بادر فور انتخابه رئيسا للجمهورية الى محاولة اقامة مصالحة وطنية وتنظيم استفتاء على قانون الوئام الذين حاز ثقة الشعب والذي كان مفروضا ان تهدأ بعده الامور.

ولكن المؤسف ان بقايا بعض التنظيمات المسلحة التي تطلق على نفسها (اسلامية) ما زالت تحاول السباحة ضد التيار ومواصلة القتل والاغتيال الوحشي للنساء والاطفال، متصورة انها بذلك يمكن ان تحقق اهدافها في الوصول الى السلطة، وهو وهم بعيد عن الواقع وعن طبيعة الشعب الجزائري المتحضر.

واخيرا لا يجوز ان تسدل الاحداث البشعة التي حدثت في السودان والجزائر ستارا اسود من التشاؤم بعد ان اثقلت قلوبنا بمرارة الاحزان والضيق بما ينسب ظلما الى الاسلام لانها في واقع الامر قد انحسرت الى حد ما عما كانت عليه في التسعينات من القرن المنصرم، لانها لم تجد قبولا أو صدى عند الجماهير لانه لا بد لليل ان ينجلي ولا بد للحقيقة ان تضيء ولا بد للناس جميعا ان تدرك ان الاسلام هو دين المحبة والتسامح والسلام وان علينا جميعا ان نرتفع به عن ادغال السياسة واحراشها حتى لا يستغله المتاجرون باسم الدين.