لبنان ومحمياته الطبيعية

TT

الكوارث البيئية التي اخذت تتوالى على العالم وبتواتر سريع في هذه الايام حركت بعض الوعي لدى قسم من بلدان العالم الثالث فجعلتها تتسابق الى عرض مشاريع تنوي تنفيذها لحماية طبيعتها التي تعاني من مشاكل كثيرة، شأنها شأن البلدان الصناعية المتطورة ايضا التي تكون كوارثها عادة كبيرة وثقيلة بحجم تقدمها الصناعي.

ولعل افضل البلدان دفاعا عن البيئـة، لا على الصعيد العربي والاقليمي فحسب، بل على الصعيد العالمي ايضا، هي السعودية التي اقامت منذ فترة طويلة المحميات الطبيعية للحفاظ على الحياة الفطرية وتنوعها الاحيائي.

ويبدو ان هذه العدوى قد وصلت حاليا الى لبنان الذي كان له حتى وقت قريب سجل حافل غير مشجع في تعامله مع الطبيعة وتلويثها بكل انواع السموم.

فقد باشرت وزارة البيئة منذ العام 1996 العمل بمشروع للمحميات بتمويل من مرفق البيئة العالمي، وهو يقضي باقامة ثلاث محميات نموذجية، هي محمية أرز الشوف، ومحمية حرج إهدن، ومحمية جزر النخيل (الارانب). وهذه المحميات انجزت، او شارفت على الانجاز.

ان انشاء المحميات الطبيعية في لبنان ينطلق من الضرورة الحيوية للابقاء على التوازن في الطبيعة وحماية الحياة الفطرية واعادة تأهيلها وتحريج ارضها. ويتطلب ذلك التزاما وابحاثا علمية وتضافر الجهود كافة لتشكيل قوة مثقفة ضاغطة ومؤثرة.

والمحميات الطبيعية لا تعني بالضرورة امكنة مغلقة وممنوعة على العامة، بل ترمي الى منع اذى الانسان عن الطبيعة والعبث بها، فضلا عن القضاء على بعض الممارسات التقليدية الخاطئة. من هنا يتطلع البيئيون في لبنان اليوم باهتمام بالغ الى حماية بحيرة «عميق» في سهل البقاع لكونها مستنقعا فريدا في نوعه في منطقة الشرق الأوسط، ولها نظامها البيئي الخاص، مما يجعلها مأثرة طبيعية لمئات الانواع من النباتات المائية والحيوانات، فضلا عن انها موئل نادر لا بديل منه لمئات من انواع الطيور الساكنة والمهاجرة.

تقول دراسة للدكتورة ميرنا سمعان والاستاذ ريكاردوس الهبر من مركز ابحاث التنمية البيئة في لبنان التي استمدينا منها هذه المعلومات، ان ثمة علاقة بين الانسان والطبيعة تجعله بغنى عن عقد اي اتفاق مع الاخيرة، كما يقترح البيئيون، لانه هو طبيعة ايضا، وعليه التصرف معها على هذا الاساس بتلقائية وايجابية كما يتصرف العصفور مع الشجرة، فيأكل منها من دون ان يبيدها او يدمرها.

وحبذا لو يمتد هذا الاهتمام بالطبيعة الى قيام المسؤولين في لبنان بمنع الشاحنات والحافلات العاملة على المازوت، لان رؤيتها وهي تنفث الدخان الاسود الخانق الى سماء لبنان الازرق ذي الطبيعة الساحرة شيء مقرف فعلا. كما يتوجب عليهم القيام بحملة لتنظيف الشواطئ والاحراج من النفايات. في اي حال فان هذا الاهتمام اللبناني الجديد في اقامة المحميات امر رائع فعلا وبداية كبيرة.

واملنا كبير في ان يستمر في هذا الاتجاه، لانه السبيل الوحيد للحفاظ على هذا البلد جمالا وسياحة ومساهمة في انقاذ الارض من عللها الكثيرة.