الخديوي والأمبراطورة !

TT

اضحكني كثيرا، دون ان استلقي على قفاي، مقال الدكتور النشيط محيي الدين اللاذقاني الذي احسده على جهده المتواصل في كتابة مقاله شبه اليومي في «الشرق الأوسط» وبرنامجه المضيء «قناديل في الظلام» في محطة (A. N. N).

وسبب الضحك هو الصورة الكاريكاتورية التي قدم بها اللاذقاني خديوي مصر المظلوم «اسماعيل» والذي يعتبر حقا أبا النهضة الثقافية والمعمارية في مصر وهو صاحب القول المشهور «اريد ان تصبح مصر جزءا من اوروبا».. وليتهم تركوه يفعل.. ولكن «اسماعيل» دفع ثمنا غاليا لمحاولته التحديثية، فقد كبلته الديون واستطاعت القوى الاستعمارية ـ في ذلك الوقت ـ وهناك قوى استعمارية في كل وقت.. استطاعت ان تسقط الخديوي «المودرن» وتأتي بخديوي يحب التخلف والانغلاق.

المهم، نعود الى ما اضحكني وهو ما ذكره اللاذقاني من ان الخديوي المودرن امر بعدم رصف طريق الهرم حتى اذا ركبت امبراطورة فرنسا «اوجيني» على الطريق غير الممهد، في المركبة التي تجرها الخيول، اهتز واهتزت الامبراطورة وتلامسا وتهامسا كما يفعل اي مراهق، وهذا شيء قد يلام عليه، ولكني وجدت في ما فعله الخديوي شيئا آخر هو قيمة المرأة كأنثى في حياة الرجل.. لقد كان لمس المرأة في ذلك الزمن السعيد شيئا عظيما وغزوا مثيرا.. مجرد لمس المرأة وهي في كامل ملابسها.. وملابس زمان كانت طبقات فوق طبقات.. هذا اللمس كان يستحق بناء الاوبرا، وتكليف الموسيقار الايطالي «فيردي» بوضع الحان «اوبرا عايدة».. وهذه هي الرومانتيكية.. لقد كانت المرأة «عزيزة» لا يمكن الوصول اليها الا بالمغامرة التي قد تنتهي بالموت.. والا بدفع الثمن الغالي. والا بالسهر تحت ضوء القمر او تحت نار الشمس.. كانت المرأة كنزا وعالما محاطا بالمغامرات والالغاز.. ولهذا كان الرجل رومانسيا او رومانتيكيا.. اما الآن وقد اصبح العلف الجنسي مطروحا في كل مكان، كما يقول لورنس داريل، واصبح من الممكن لاي شاب او رجل ان يختار المرأة من اسواق النخاسة في اوروبا واميركا فكيف يبقى الرجل رومانسيا يتمنى ان يلمس المرأة فيفعل كما فعل الخديوي المراهق في ذلك الزمن السعيد.

الرومانسية مرحلة من المراحل الاجتماعية التي كانت لها شروطها، ومحاولة اعادة الرومانسية الى الحياة صعبة.. كل ما يمكننا عمله ان نعيدها في الافلام والمسلسلات، وكما يقال لانك لا تستطيع اعادة الماضي الا على خشبة المسرح.